251 - (احرثوا) بضم الهمزة والراء ازرعوا من حرث الأرض أثارها للزراعة (فإن الحرث) أي تهيئة الأرض للزراعة وإلقاء البذر فيها (مبارك) أي كثير الخير نافع للخلق فإن كل عافية تأكل منه وصاحبه مأجور على ذلك مبارك له فيما يصير إليه (وأكثروا فيه) أي في الزرع إذا نبت (من الجماجم) بجيمتين جمع جمجمة البذر أو العظام التي تعلق عليه لدفع الطير أو العين ويدل للثاني ما في خبر منقطع عند البيهقي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر بالجماجم أن تجعل في الزرع من أجل العين وفيه ندب الاحتراف بالزرع ولا يعارضه الخبر الآتي إذا تبايعتم بالعينة وتبعتم أذناب البقر إلى آخره لأن في زرع معه ترك الجهاد والاشتغال عن وظائف الطاعات وما هنا فيما ليس كذلك وفي السير أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يزرع أرض بني النضير لما صارت إليه ومن كلامهم الفلاحة بالفلاح مصحوبة والبركة على أهلها مصبوبة. (د، في مراسيله عن علي بن الحسين) زين العابدين قال الزهري ما رأيت قريشا أفضل منه (مرسلا) قال:
إن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة قال: يا معشر قريش إنكم تحبون الماشية فأقلوا منها فإنكم بأقل الأرض مطرا واحرثوا فإن الحرث إلى آخره.
252 - (أحسن الناس قراءة) للقرآن القارئ (الذي إذا قرأ رأيت) أي علمت (أنه يخشى الله) أي يخافه لأن القراءة حالة تقتضي مطالعة جلال الله وعرفان صفاته ولذلك الحال آثار تنشأ عنها الخشية من وعيد الله وزواجر تذكيره وقوارع تخويفه فمن تلبس بهذا الحال وظهرت عليه هيبة الجلال فهو أحسن الناس قراءة لما دل عليه حاله من عدم غفلة قلبه عن تدبر مواعظ ربه وخشية الله سبب لولوج نور اليقين في القلب والتلذذ بكلام الرب ولم يكن كذلك فالقرآن لا تجاوز حنجرته (تنبيه) قال بعض الكاملين كان طفل يقرأ على بعض الصالحين القرآن فرآه مصفر اللون فسأل عنه فقالوا يقوم الليل بالقرآن كله فقال له في هذه الليلة أحضرني في قبلتك واقرأ علي القرآن في صلاتك ولا تغفل عني فلما أصبح قال له ختمت القرآن كالعادة قال لم أقدر على أكثر من نصفه فقال في هذه الليلة اجعل من شئت من الصحب الذين سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم واقرأ عليه ففعل فلم يمكنه إلا قراءة نحو ربعه فقال اقرأ الليلة على من أنزل عليه ففعل فلم يقدر على أكثر من جزء فقال له الليلة استحضر أنك تقرؤه على جبريل الذي نزل به واعرف قدر من تقرأ عليه ففعل فلم يقدر إلا على سورة فقال الليلة تب إلى الله وتأهب واعلم أن المصلي يناجي ربه واقف بين يديه فانظر حظك من القرآن وحظه وتدبر ما تقرأ فليس المراد جمع الحروف بل تدبر المعاني ففعل فأصبح مريضا فعاده أستاذه فلما أبصره الشاب بكى وقال جزاك الله عني خيرا، ما عرفت أني كاذب إلا البارحة لما استحضرت الحق وأنا بين يديه أتلو عليه كلامه فوصلت إلى إياك نعبد لم أر نفسي تصدق في قولها فاستحييت أن أقول