فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٢٢٧
220 - (أحب الله) تعالى بفتح الهمزة وتشديد الباء الموحدة المفتوحة دعاء أو خبر (عبدا) أي إنسانا (سمحا) بفتح فسكون صفة مشبهة تدل على الثبوت، فلذا كرر أحوال البيع والشراء والقضاء والتقاضي فقال (إذا باع، وسمحا إذا اشترى، وسمحا إذا قضى) أي أدى ما عليه (وسمحا إذا اقتضى) أي طلب ما له برفق ولين جانب. قال الجوهري: سمح جاد والمسامحة المساهلة والاقتضاء التقاضي وهو طلب قضاء الحق قال الطيبي: رتب المحبة عليه ليدل على أن السهولة والتسامح في التعامل سبب لاستحقاق المحبة ولكونه أهلا للرحمة وفيه فضل المسامحة في الاقتضاء وعدم احتقار شئ من أعمال الخير فلعلها تكون سببا لمحبة الله تعالى التي هي سبب للسعادة الأبدية (هب عن أبي هريرة) رضي الله عنه رمز المؤلف لحسنه مع أن فيه الوافدي والكلام فيه مشهور ومحمد بن الفرج فإن كان هو الأزرق فقد طعن الحاكم في اعتقاده وهشام بن سعد وقد قال أبو حاتم لا يحتج به وقال أحمد لم يكن بالحافظ وأورده في الضعفاء والمتروكين قال وضعفه النسائي وغيره وقال ابن معين هو ضعيف لكن يكتب حديثه.
221 - (أحبكم إلى الله أقلكم طعما) بضم الطاء أكلا، وكنى به عن الصوم لأن الصائم يقل أكله غالبا أو هو ندب إلى إقلال الأكل فلا يأكل إلا ما يتقوى به على العبادة وما لا بد منه للمعاش (وأخفكم بدنا) أوقعه موقع التعليل لما قبله فإن من قل أكله خف بدنه ومن خف بدنه نشط للعبادة وللعبادة تأثير في تنوير الباطن وإشراقه وخفة البدن أمر محمود والسمن مذموم قال الإمام الشافعي:
ما أفلح سمين قط إلا محمد بن الحسن وذلك لأن العاقل إنما يهتم لآخرته ومعاده أو لدنياه ومعاشه والشحم مع الغم لا ينعقد فإذا خلي من المعنيين صار في عداد البهائم فانعقد شحمه، وقد تطابقت الأخبار والآثار على ذم الشبع، والجوع أساس سلوك الطريق إلى الله سبحانه وتعالى فلذلك خص بالأحبية. قالوا شبع يحيى ابن زكريا عليه الصلاة والسلام ليلة من خبز الشعير فنام عن ورده فأوحى الله تعالى إليه يا يحيى هل وجدت دارا خيرا من داري وجوارا خيرا من جواري؟ وعزتي وجلالي لو اطلعت على الفردوس إطلاعة لذاب جسمك وزهقت روحك اشتياقا ولو اطلعت على جهنم إطلاعة لبكيت الصديد بعد الدموع ولبست الحديد بعد النسوج، وقال الشاذلي جعت مرة ثمانين يوما فخطر لي أيحصل لي من ذلك شئ وإذ بامرأة خرجت من مغارة كأن وجهها الشمس حسنا وهي تقول:
منحوس جاع ثمانين يوما فأخذ يدل على ربه بعمله ها أنا لي ستة أشهر لم أذق طعاما قط، قال الغزالي: من أبواب الشيطان العظيمة الشبع ولو من حلال فإنه يقوي الشهوات وهي أسلحة الشيطان، وروي أن إبليس ظهر لسيدنا يحيى عليه الصلاة والسلام فرأى عليه معاليق من كل شئ فقال: ما هذه فقال: الشهوات التي أصيد بها بني آدم قال: فهل لي فيها شئ قال: ربما شبعت
(٢٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة