فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٢٢١
لكونها موطنا للأموات (وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) جمع سوق سميت به لأن البضائع تساق إليها وذلك لأنها مواطن الغفلة والغش والحرص والفتن والطمع والخيانة والأيمان الكاذبة في الأعراض الفانية القاطعة عن الله تعالى، وقال الطيبي: تسمية المساجد والأسواق بالبلاد خصوصا تلميح إلى قوله تعالى * (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) * وذلك لأن زوار المساجد * (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) * وقصاد الأسواق شياطين الجن والإنس من الغفلة والحرص والشره وذلك لا يزيد إلا بعدا من الله ومن أوليائه ولا يورث إلا دنوا من الشيطان وأحزابه اللهم إلا من يغد إلى طلب الحلال الذي يصون به عرضه ودينه * (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) * وقال جمع: المراد بمحبة المساجد محبة ما يقع فيها من القرب وببغض الأسواق بغض ما يقع فيها من المعاصي مما غلب على أهلها من استيلاء الغفلة على قلوبهم وشغل حواسهم بما وضع لهم من التدبير فإليه ينظرون وإليه يطلبون والأسواق معدن النوال ومظان الأرزاق والأفضال وهي مملكة وضعها الله لأهل الدنيا يتداولون فيها ملك الأشياء لكن أهل الغفلة إذا دخلوها تعلقت قلوبهم بهذه الأسباب فاتخذوها دولا فصارت عليهم فتنة فكانت أبغض البقاع من هذه الجهة وإلا فالسوق رجمة من الله تعالى جعله معاشا لخلقه يذر عليهم أرزاقهم فيها من قطر وقطر لتوجد تلك الأشياء عند الحاجة ولو لم يكن ذلك لاحتاج كل منا إلى تعلم جميع الحرف والترحال إلى البلاد ليلا ونهارا. فوضع السوق نعمة وأهل الغفلة صدوا عن هذه الرحمة ودنسوا نفوسهم بتعاطي الخطايا فيه فصارت عليهم نقمة وأما أهل اليقين فهم وإن دخلوها قلوبهم متعلقة بتدبير الله فسلموا من فتنها ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يدخل السوق ويشتري ويبيع. قال الطيبي :
وإنما قرن المساجد بالأسواق مع موجود ما هو شر منها من البقاع ليقابل بين معنى الالتهاء والاشتغال وأن الأمر الديني يدفعه الأمر الدنيوي. (م) في الصلاة (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن حبان وابن زنجويه (حم ك عن جبير بن مطعم) بضم الميم وسكون الطاء وكسر العين المهملتين ولم يخرجه البخاري.
210 - (أحب الجهاد إلى الله كلمة حق) أي موافق للواقع بحسب ما يجب وبقدر ما يجب في الوقت الذي يجب والحق يقال لأوجه هذا أنسبها هنا ذكره الراغب وكلمة حق تجوز بالإضافة وبغيرها (تقال لإمام) سلطان (جائر) ظالم لأن من جاهد العدو فقد تردد بين رجاء وخوف وصاحب السلطان إذا قال الحق وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فقد تعرض للهلاك واستيقنه فهو أفضل والمراد أن أفضل أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا فلا حاجة لتقدير من (حم طب عن أبي أمامة) قال: عرض للنبي صلى الله عليه وسلم رجل عند الجمرة وقد وضع رجله في الغرز فقال: أي الجهاد أفضل يا رسول الله فسكت ثم ذكره رمز المصنف لحسنه ورواه النسائي عن جابر بلفظ أفضل وإسناده صحيح.
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة