فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ١٢٣
خلال الحجب عن معرفة المراد " والفؤاد " وسط القلب أو غشاؤه أو عينه وصفه بوصفين إشارة إلى أن بناء الإيمان على الشفقة والرأفة على الخلق فمن كان في هذه الصفة أصفى قلبا كان للحكمة أهلا والمراد باللين خفض الجناح والاحتمال وترك الترفع إذ لا يظهر هذا الجلال إلا فيمن لان قلبه وقد قال صلى الله عليه وسلم " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا " فنتج أن أهل اليمن أكمل الناس إيمانا وأن الحكمة من أوصاف من كمل إيمانه. قال بعض العارفين: وهذا مدح رفيع اختص به أهل اليمن وإنما يلين القلب لرطوبة الرحمة لأن المعرفة لا ينالها عبد إلا برحمة الله فإذا لان القلب برطوبة الرحمة ورق الفؤاد بحرارة النور ضعف القلب وذبلت النفس فمن لان قلبه أجاب داعي الإيمان بنور الرحمة الذي ناله ومن لم ينله قسا قلبه وعسر انقياده كغصن شجرة يابسة إذا مددته تكسر انتهى. وهذه صفة خواصهم دون عوامهم الذين أجابوا الأسود العنسي وطليحة الأسدي لما ادعيا النبوة على أن أراد به في خصوص هذه الرواية قوما بأعيانهم فأشار إلى من جاء منهم إلى بلدهم كما ذكره ابن حجر. قال: وأبعد الحكيم الترمذي حيث زعم أن المراد به واحد هو أويس القرني. ولما وصفهم بالعطف والشفقة والرقة المقتضية لكمال الإيمان أشار إلى أن ثمرة ذلك الفهم والحكمة بقوله (الفقه) أي الفهم في الدين أو أعم. قال الراغب:
" الفقه " التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم: * (ذلك بأنهم قوم لا يفقهون) * (يمان) أي يمني فالألف فيه عوض عن ياء النسبة.
(والحكمة) قال القاضي: هي اشتغال النفس الإنسانية باقتباس النظريات وكسب الملكة التامة والمداومة على الأفعال الفاضلة بقدر الطاقة البشرية ولما لم يشمل تعريفه حكمة الله. قال بعض المحققين: الحكمة العلم بالأشياء كما هي والعمل بها كما ينبغي. قال ابن حجر أخذا من كلام النووي: والمراد بها هنا العلم المشتمل على المعرفة بالله. وقال في موضع آخر: أصح ما قيل فيها أنها وضع الشئ في محله (يمانية) بتخفيف الياء وتشدد كما قيل في الاقتضاب وحكاه المبرد وغيره لغة نادرة، فلما كانت قلوبهم معادن الإيمان وينابيع الحكمة وكانت الخلتان منتهى هممهم نسب الإيمان والحكمة إلى معادن نفوسهم ومساقط رؤسهم كنسبة الشئ إلى مقره ومن اتصف بشئ نسب إليه إشعارا بكماله فيه وإن شاركه غيره في ذلك الكمال. وقال ابن حجر: يحتمل أن المراد أن الإيمان يتأخر باليمن بعد فقده من جميع الأرض حتى تقبض الريح الطيبة أرواح المؤمنين وزعم أن المراد هنا الأنصار لأنهم يمانية أصالة فنسب الإيمان والحكمة إليهم رد بأن المخاطب بقوله: " أتاكم الصحب " كما تقرر وجمهورهم أهل الحرمين وما حولهما فعلم أن المبشر بهم غير المخاطبين (ق ت عن أبي هريرة) وروياه عنه أيضا من وجه آخر بلفظ: " هم أرق أفئدة وألين قلوبا، الإيمان يمان والحكمة يمانية والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل والسكينة والوقار في أهل الغنم ".
76 - (أتاني جبريل) كفعيل بالكسر وفيه نحو عشرين وجها وهو سرياني معناه عبد الرحمن أو عبد العزيز كما صح عن الحبر وإيل اسم الله عند الأكثر. قال البيهقي: واسمه وإن كان أعجميا لكنه موافق لمعناه العربي، إذ الجبر إصلاح ما وهي وهو موكل بالوحي المصلح لما وهي من الدين (بالحمى) باؤه للتعدية وهي حرارة بين الجلد واللحم والعظم أنواعها متكثرة (والطاعون) بثرة مع لهب واسوداد
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة