في العام الذي قدموا فيه وهلك والدي فكنت يتيما في حجر عمي أبي طالب، فأقبل النسوان يتدافعنني ويقلن: ضرع (1) صغير لا أب له فما عسينا أن ننتفع به من خير وكانت فيهن امرأة يقال لها أم كبشة ابنة الحارث فقالت: والله لا أنصرف عامي هذا خائبة أبدا؟ فأخذتني وألقتني على صدرها فدر لبنها فحضنتني، فلما بلغ ذلك عمي أبا طالب اقطعها إبلا ومقطعات من الثياب، ولم يبق عم من عمومتي إلا أقطعها وكساها، فلما بلغ ذلك النسوان أقبلن إليها يقلن:
أما والله يا أم كبشة! لو علمنا بركة هذا تكون هكذا ما سبقتنا إليه ثم ترعرعت وكبرت وقد بغضت إلي أصنام قريش والعرب فلا أقربها ولا آتيها، حتى إذا كان بعد زمن خرجت بين أتراب لي من العرب نتقاذف بالاجلة يعني البعر فإذا بثلاثة نفر مقبلين معهم طست مملوة ثلجا فقبضوا علي من بين الغلمان، فلما رأى ذلك الغلمان انطلقوا هرابا، ثم رجعوا فقالوا: يا معشر النفر!
إن هذا الغلام ليس منا ولا من العرب، وإنه لابن سيد قريش وبيضة (2) المجد، وما من حي من أحياء العرب إلا لآبائه في رقابهم نعمة مجللة، فلا تصنعوا بقتل هذا الغلام شيئا، وإن كنتم