المواقف - الإيجي - ج ٣ - الصفحة ٤٨٣
عن الهيئات الرديئة التذت بها أي بوجدان لذاتها كذلك أبدا مبتهجة بإدراك كمالها باقيا سرمدا كالمؤمن المتقي عندنا وأما النفوس الساذجة التي غلبت عليها سلامة الصدور وقلة الاهتمام بأمور الدنيا فلا عقوبة لها لعدم شعورها بالكمالات وانتفاء اشتياقها إليها كغير المكلفين عندنا فهذا ما عليه جمهورهم وقال قوم منهم أي من الفلاسفة وهم أهل التناسخ إنما تبقى مجردة عن الأبدان النفوس الكاملة التي أخرجت قوتها إلى الفعل ولم يبق شيء من الكمالات الممكنة لها بالقوة فصارت طاهرة عن جميع العلائق الجسمانية وتخلصت إلى عالم القدس وأما النفوس الناقصة التي بقي شيء من كمالاتها بالقوة فإنها تتردد في الأبدان الإنسانية وتنتقل من بدن إلى بدن آخر حتى تبلغ النهاية فيما هو كمالها من علومها وأخلاقها فحينئذ تبقى مجردة مطهرة عن التعلق بالأبدان ويسمى هذا الانتقال نسخا وقيل ربما تنازلت إلى الأبدان الحيوانية فتنتقل من البدن الإنساني إلى بدن حيواني يناسبه في الأوصاف كبدن الأسد للشجاع والأرنب للجبان ويسمى مسخا وقيل ربما تنازلت إلى الأجسام النباتية ويسمى رسخا وقيل إلى الجمادية كالمعادن والبسائط أيضا ويسمى فسخا قالوا وهذه التنازلات المذكورة هي مراتب العقوبات وإليها الإشارة بما ورد من الدركات الضيقة في جهنم هذا في المتنازلة وأما المتصاعدة من مرتبة إلى ما هو أكمل منها فقد تتخلص من الأبدان كلها لصيرورتها كاملة في جميع صفاتها كما مر وقد تتعلق ببعض الأجرام السماوية لبقاء حاجتها إلى الاستكمال ولا يخفى أن ذلك كله رجم بالظن بناء على قدم النفوس وتجردها وقد أبطلناهما قال الإمام الرازي وأما القائلون بالمعاد الروحاني والجسماني معا فقد أرادوا أن يجمعوا بين الحكمة والشريعة فقالوا دل العقل على أن سعادة الأرواح بمعرفة الله تعالى ومحبته وأن سعادة الأجسام في إدراك المحسوسات والجمع بين هاتين السعادتين في هذه الحياة غير ممكن لأن
(٤٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 478 479 480 481 482 483 484 485 486 487 488 ... » »»