والمصنف قرر أولا مذهب القائلين بالمعاد الجسماني فقط ثم شرع في بيان مذهب القائلين بالمعاد الروحاني فقط بقوله المقصد الثالث المتن في حكاية مذهب الحكماء المنكرين لحشر الأجساد في أمر المعاد قالوا النفس الناطقة لا تقبل الفناء لأنها بسيطة وهي موجودة بالفعل فلو قبلت الفناء لكان للبسيط فعل وقوة وأنه محال لأن حصول أمرين متنافيين لا يكون إلا في محلين متغايرين وهو ينافي البساطة ثم إنها إما جاهلة وإما عالمة أما الجاهلة فتتألم بعد المفارقة أبدا وذلك لشعورها بنقصانها نفصانا لا مطمع لها في زواله وأما العالمة فإما لها هيئات رديئة اكتسبتها بملابسة البدن ومباشرة الرذائل المقتضاة للطبيعة وميلها إلى الشهوات أولا فإن كانت تألمت بها ما دامت باقية فيها لكنها تزول عاقبة الأمر بحسب شدة رسوخها فيها وضعفه لأنها إنما حصلت لها للركون إلى البدن وجرتها محبتها له وذلك مما ينسى بطول العهد به ويزول بالتدريج وإن لم تكن بل كانت كاملة بريئة عن الهيئات الرديئة التذت بها أبدا مبتهجة بإدراك كمالها هذا ما عليه جمهورهم وقال قوم منهم وهم أهل التناسخ إنما تبقى مجردة النفوس الكاملة التي أخرجت قوتها إلى الفعل وأما الناقصة فإنها تتردد في الأبدان الإنسانية ويسمى نسخا وقيل ربما تنازلت إلى الحيوانية ويسمى مسخا وقيل إلى النباتية ويسمى رسخا وقيل إلى الجمادية ويسمى فسخا هذا في
(٤٨٠)