في زمن موسى عليه السلام فإنه كان غالبا على أهله وكانوا قد ملكوا ذروة سنامه ولما علم السحرة الكاملون فيه أن حد السحر تخييل وتوهيم لما لا ثبوت له حقيقة ثم رأوا عصاه انقلبت ثعبانا يتلقف سحرهم الذي كانوا يأفكونه أي يقلبونه من الحق الثابت إلى الباطل المتخيل من غير أن يزداد حجمها علموا أنه خارج عن السحر وطوق البشر بل هو معجزة من عند الله فآمنوا به وأما فرعون فإنه لقصوره في هذه الصناعة يظن أنه كبيرهم الذي علمهم السحر وكذا الطب في زمن عيسى عليه السلام فإنه كان غالبا في أهله وكانوا قد تناهوا فيه وبعلمهم الكامل في بابه علموا أن إحياء الموتى وإبراء الأكمه أوليس حد الصناعة الطبية بل هو من عند الله خذ هذا والبلاغة قد بلغت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الدرجة العليا وكان بها فخارهم فيما بينهم حتى علقوا القصائد السبع بباب الكعبة تحديا بمعارضتها وكتب السير تشهد بذلك لمن تتبعها فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم من جنس ما تناهوا فيه بما عجز عن مثله جميع البلغاء الكاملين في عصره مع ما ظهر عنهم من كثرة المنازعة والتشاجر وإنكار نبوته حتى أن منهم من مات على كفره ومنهم من أسلم لوضوح نبوة النبي صلى الله عليه وسلم عنده ومنهم من أسلم على نفرة منه للإسلام ملتزما للصغار أي الذل والهوان كالمنافقين ومنهم من اشتغل بالمعارضة الركيكة التي هي ضحكة للعقلاء كمعارضة مسيلمة بما مر وبقوله والزارعات زرعا فالحاصدات حصدا والطابخات طبخا فالآكلات أكلا ومنهم وهم الأكثرون من عدل إلى المحاربة والقتال وتعريض النفس والمال والأهل للدمار والهلاك فعلم جواب لما مع الفاء أي لما أتى بما عجز عنه البلغاء قاطبة وافترقوا من أجله فرقا مختلفة علم أن ذلك من عند الله قطعا سلمنا أن القرآن أوليس معجزا ببلاغته لكن لم لا يكون معجزا بالإخبار عن الغيب وجواب الشبهة الأولى أن يقال حد المعجز منه أي من هذا الإخبار أوليس مجهولا كما ذكرتم بل هو معلوم تقضي به العادة وهو أن يكثر كثرة خارجة عن المعتاد المتعارف فيما بين أهل العرف ولا شك أنه قد بلغ الإخبار بالغيب في القرآن ذلك المبلغ الخارق للعادة ولسنا الآن لتفصيله إذ
(٤٠١)