تتبعها أبلغ البلغاء لم يعثر فيها على سقطة فضلا عن التناقض والاختلاف ويظهر ذلك كل الظهور في مقدار أقصر سورة تحدى بها وأما بالقول بالصرفة فلوجوه الأول الإجماع قبل هؤلاء على أن القرآن معجز ولو قال أنا أقوم وأنتم لا تقدرون عليه وكان كذلك لم يكن قيامه معجزا بل عجزهم عن القيام الثاني لو سلبوا القدرة لتناطقوا به عادة ولتواتر ذلك فإن قيل إنما لم يتذاكروه لئلا يصير حجة عليهم قلنا إن كان ذلك موجبا لتصديقه امتنع عادة تواطؤ الخلق الكثير على مكابرته وإن لم يكن موجبا بل احتمل السحر وغيره مثلا لتناطقوا به وحملوه عليه الثالث كانوا يعارضونه بما اعتيد منهم قبل التحدي به فإنهم لم يتحدوا بإنشاء مثله بل بالإتيان به والجواب قولهم اختلافكم في وجه إعجازه دليل الخفاء قلنا الاختلاف والخفاء وإن وقع في آحاد الوجوه فلا اختلاف بيننا ولا خفاء في أنه بما فيه من البلاغة والنظم الغريب والإخبار عن الغيب واشتماله على الحكمة البالغة علما وعملا معجز وإنما وقع الخلاف في وجهه لاختلاف الأنظار ومبلغ أصحابها من العلم وليس إذا لم يكن معجزا بالنظر إلى أحد ما بيناه يلزم أن لا يكون معجزا بجملتها ولا بجملة منها وكأي من بليغ يقدر على النظم أو النثر ولا يقدر على الآخر ولا يلزم من القدرة على أحدهما القدرة على الجميع وليس كل ما ثبت لكل واحد يثبت للكل هذا وإنا نختار أنه معجز ببلاغته وأما الشبه فالجواب عن الأولى أن الفرق كان بينا لمن تحدى به ولذلك لم يعارض وغيرهم عمي عن ذلك لقصوره في صناعة البلاغة والتمييز بين مراتبها ثم قياس أقصر سورة إلى أطول خطبة أو قصيدة جور على سواء السبيل وأيضا فيكفينا كون القرآن بجملته أو بسوره الطوال معجزا
(٣٨١)