والمعاوضات وهي أن يعطي كل واحد صاحبه من عمله بإزاء ما يؤخذ منه من عمله ألا ترى أنه لو انفرد إنسان وحده لم يتيسر أو لم تحسن معيشته بل لا بد له من أن يكون معه آخرون من بني نوعه حتى يخبز هذا لذلك ويطحن ذاك لهذا ويزرع لهما ثالث... وهكذا فإذا اجتمعوا على هذا الوجه صار أمرهم مكفيا ولذلك قيل الإنسان مدني بالطبع فإن التمدن هو هذا الاجتماع ولا بد لهم في التعاون من معاملة ومعاوضة يجريان بينهم ولا بد فيهما من قانون عدل يحافظ عليه دفعا للظلم وإليه أشار بقوله ولولا شريعة ينقاد لها الخاص والعام لاشرأبت كل نفس أي مدت عنقها إلى ما يريده غيره وطمح أي ارتفع عين كل إلى ما عند الآخر فحصل بينهم التنازع وأدى ذلك التنازع إلى التواثب والتشاجر أي الاختلاف والتقاتل والتناحر وشمل الناس الهرج أي القتل والمرج أي الاختلاط واختل أمور المعاش والمعاد فوجب في الطبيعة وجود الموصوف بتلك الخواص لما علم من شمول العناية فيما أعطي كل حيوان من الآلات اللائقة به وهدي أي كل واحد منه إلى ما فيه بقاؤه وبه قوامه سيما نوع الإنسان فإن العناية به في الإعطاء والهداية أكثر وهو أشرف الأنواع الحيوانية سخر له ما عداه من تلك الأنواع وهذا أي وجود من اجتمعت فيه الخواص المذكورة من أعظم مصالحه لما ظهر فيه من جلب المنافع الجليلة والدفع لمضاره الشديدة افترى الطبيعة تهمل ذلك كلا والحاصل أن وجود النبي سبب للنظام في المعاش والمعاد فيجب ذلك في العناية الإلهية المقتضية لأبلغ وجوه الانتظام في مخلوقاته فهذه طريقة إثبات النبوة على مذهب الحكماء
(٣٣٧)