المواقف - الإيجي - ج ٣ - الصفحة ٢٩٩
يدخل تحت الحصر لم يستقبح منه أصلا بل عد جودا وفضلا وإغناء للفقير وتبعيدا له عن ساحة الهوان بالكلية لكنه مع ذلك إذا نزل له وقام بين يديه معظما له ومكرما إياه وأمر خدمه بتقبيل أنامله استقبح منه ذلك وذمه العقلاء ونسبوه إلى ركاكة العقل وقلة الدراية فالله سبحانه لما أراد أن يعطي عباده منافع دائمة مقرونة بإجلال وإكرام منه ومن ملائكته المقربين ولم يحسن أن يتفضل بذلك عليهم ابتداء بلا استحقاق كلفهم ما يستحقونه به فيقال لهم لا نسلم أن التفضل بالثواب قبيح بل لا قبح هناك أصلا ولو سلم قبحه فإنما يقبح ممن يجوز عليه الانتفاع والتضرر لا من الله تعالى فإنه يجوز أن يتفضل به كما تفضل على عباده بما لا يحصى من النعم في الدنيا وأنت خبير بأن المستقبح عندهم هو التفضل بالتعظيم الموعود دون النعم كما صورناه لكنه سند للمنع فلا يجدي دفعه وإن سلم قبحه من الله تعالى أيضا فيمكن التعريض له أي للثواب بدون هذه المشاق العظيمة إذ أوليس الثواب على قدر المشقة وعوضا مساويا لها ألا ترى أن في التلفظ بكلمة الشهادة من الثواب ما أوليس في كثير من العبادات الشاقة كالصلاة والصيام وكذا الكلمة المتضمنة لإنجاء نبي من ظالم يريد إهلاكه أو تمهيد قاعدة خير أو دفع شر عام إذ يستحق بهذه الكلمة من الثواب ما يزيد على ثواب كثير من العبادات وإن كانت أشق منها وما يروى من أن فضل العبادات أحمزها أي أشقها فذلك عند التساوي في المصالح فلا ينافي أن يكون الأخف الأسهل أكثر ثوابا إذا كان أكثر مصلحة وأعظم فائدة وإذا أمكن التعريض المذكور بدون تلك المشاق كان التكليف بها عاريا عن الغرض ثم إنهم أي ما ذكرتم من أن التكليف تعريض للثواب
(٢٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 ... » »»