لحكمه ومنعه المعتزلة لقبحه عقلا فإن من كلف الأعمى نقط المصاحف والزمن المشي إلى أقاصي البلاد وعبده الطيران إلى السماء عد سفيها وقبح ذلك في بداية العقول وكان كأمر الجماد واعلم أن ما لا يطاق على مراتب أدناها أن يمتنع الفعل لعلم الله بعدم وقوعه أو إرادته أو إخباره فإن مثله لا تتعلق به القدرة الحادثة لأن القدرة مع الفعل ولا تتعلق بالضدين والتكليف بهذا جائز بل واقع إجماعا وإلا لم يكن العاصي بكفره وفسقه مكلفا وأقصاها أن يمتنع لنفس مفهومه كجمع الضدين وقلب الحقائق وجواز التكليف به فرع تصوره فمنا من قال لو لم يتصور لامتنع الحكم بامتناع تصوره وطلبه ومنهم من قال طلبه يتوقف على تصوره واقعا وهو منتف ههنا فإنه إنما يتصور إما منفيا بمعنى أنه أوليس لنا شيء موهوم أو محقق هو اجتماع الضدين أو بالتشبيه بمعنى أن يتصور اجتماع المتخالفين كالسواد والحلاوة ثم يحكم بأن مثله لا يكون بين الضدين وذلك غير تصور وقوعه ولا مستلزم له صرح ابن سينا به ولعله معنى قول أبي هاشم العلم بالمستحيل علم لا معلوم له ومراد من قال المستحيل لا يعلم المرتبة الوسطى أن لا يتعلق به القدرة الحادثة عادة سواء امتنع تعلقها به لا لنفس مفهومه كخلق الأجسام أم لا كحمل الجبل والطيران إلى السماء فهذا نجوزه وإن لم يقع بالاستقراء ولقوله تعالى * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * وتمنعه المعتزلة وبه يعلم أن كثيرا من أدلة أصحابنا مثل ما قالوه في إيمان أبي لهب نصب للدليل في غير محل النزاع
(٢٩١)