فيها أي في تلك الأمور الحادثة والمفاضة من حكم ومصالح قد تحيرت فيها الأوهام وعجزت عن إدراكها العقول والأفهام قد بلغ المدون منها أي من تلك الحكم والمصالح مما علم في الكتب التي دون فيها منافع أعضاء الحيوانات وأشكالها ومقاديرها وأوضاعها خمسة آلاف وما لا يعلم منها أكثر مما علم كما لا يخفى على ذي حدس كامل وعلم ذلك المتأمل أيضا علما ضروريا لا يشوبه ريبة ولا يحتمل النقيض بوجه من الوجوه أنها أي تلك الأفعال المذكورة لا تصدر إلا عن عليم كامل علمه خبير ببواطن الأشياء وما يخفى منها حكيم يتقن أفعاله مطابقة للمنافع التي يتصور ترتبها عليها قدير على كل ما تعلقت به مشيئته بعد علمه المحيط كما نطق به الكتاب الكريم في عدة مواضع في معرض الاستدلال على عظمة الصانع وكماله منها قوله تعالى * (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء) * فدل إيراده في معرضه على أنه علم ضروري يستدل به على غيره هذا هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه على أن الاعتراف بالفاعل المختار وإسناد الأشياء إليه ابتداء كما مرت إليه الإشارة مرة بعد أخرى فائدة جليلة هي أن فيه لمندوحة عن كثير من أمثال هذه التمحلات التي يكذبها العقل الصريح ويأباها الذهن الصحيح ولا يقبلها طبع سليم ولا يذعن لها ذهن مستقيم * (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) * منك المبدأ وإليك المآب تنبيهان آخران على أمرين متفرعين على ثبوت القوى وتعددها
(٥٥٥)