أراد من الكفار والعصاة الإيمان والطاعة فما كانت وأراد منهم إبليس العصيان والكفر فكان ما أرداه فقد نفذت مشيئة إبليس وإرادته ولم تنفذ مشيئة الله وإرادته فقول الناس إذن كافة ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن باطل والصحيح على قولهم وسوء اعتقادهم أن يقول القائل ما شاء إبليس كان وما شاء الله لم يكن ونستغفر الله من تسطير هذه الكلمات ولكن حاكي الكفر ليس بكافر ولله الحمد على نعمة الإسلام والسنة فمن رد ولاية الرب سبحانه إلى صورة لو ردت إلى زعيم بلدة لاستنكف أن تنسب إليه وذلك أن زعيم بلدة إذا علم أن معه في بلده معاندا له إذا أراد أمرا أراد المعاند نقيضه ثم يتم مراد المعاند دون مراد الزعيم وهو يعلم معاندة معانده ولا ينكر عليه ولا يمنعه من عناده ولا ينفيه من بلده ولا يقتله فهو عاجز عنه والله يتعالى أن يوصف بالعجز أو الجور ولو كان كذلك لخرج عن الإلهية وانعزل عن الربوبية ولم يكن إلها مطاعا وهذا هو دليل التوحيد الذي قدمنا ذكره فافهم والقدرية إنما ضلت في هذه المسألة من حيث قاست عدل الله تعالى على عدل عباده فإن عباده مأمورون ومنهيون ومملوكون غير ومربوبون أحمد وليس لهم ملك يتصرفون فيه إلا بإذن مالكهم فما سوغه لهم ساغ لهم التصرف فيه وما لم يأذن لهم بالتصرف فيه ولو كان ملكهم لم يسغ لهم ذلك وقد شرع لهم جل وعلا أن من تصرف في ملكي بغير إذني أو ملك أحد من خلقي بغير إذنه فقد ضل ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ومن تصرف في ملك الله بغير إذنه فقد ظلم وتعدى ولو كان تصرفه في عبد من عبيده يقيد ما أذن له مالكه على الحقيقة فإنه سبحانه قد أذن له أن يتصرف في عبده تصرفا خاصا لا عاما فلا يجوز له أن يقطع يده ولا يفقأ عينه ولا يجيعه ولا يضربه ولا ينكحه فمتى فعل شيئا من هذا وأشباهه بعد فقد تعدى وظلم وجار وعصى وخالف واستوجب العقوبة على ذلك من
(٣٢)