الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٤ - الصفحة ٢٢٩
ولم تقدر سودة بنت عبد الله بن عمر لثقل جسمها أن تقضي الطواف بين الصفا والمروة سبعا إلا بين العشاء والأذان للصبح ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولو ركبت كان في ذلك رخصة لها وقد يشبه أن يكون ذلك في ليالي الصيف مع التغليس بالصبح والله أعلم وأما قول مالك من نسي السعي بين الصفا والمروة في عمرة فلم يذكر حتى يستبعد من مكة أنه يرجع فيسعى وإن كان قد أصاب النساء فليرجع فليسع بين الصفا والمروة حتى يتم ما بقي عليه من تلك العمرة ثم عليه عمرة أخرى والهدي فقد وافقه الشافعي في أن العمرة من فروضها الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة وإنها لا تتم إلا بذلك وقول الشافعي في هذه المسألة قول مالك وقد ذكرنا اختلاف العلماء في وجوب السعي بين الصفا والمروة فكل من أوجبه يوجب الرجوع إليه من كل أفق في العمرة كما يوجبه في الحج لأن القرآن عمهما في قوله (عز وجل) * (فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * [البقرة 158] ومن لم يوجبه ناب عنه عنده الدم لمن أبعد عن مكة لأن هذا شأن السنن في الحج أن تجبر بالدم ولا ينصرف إليها من بعد وأما الوطء قبل السعي بين الصفا والمروة بالعمرة فسيأتي في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله وقد روي عن بن عباس أنه قال العمرة الطواف بالبيت وخالفه بن عمر وجابر والناس ذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن عمرو بن دينار قال سألنا بن عمر عن رجل طاف بالبيت يعني في العمرة أيقع على أهله قبل أن يسعى بين الصفا والمروة فقال أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت ثم أتى المقام فصلى عنده ركعتين ثم طاف بين الصفا والمروة ثم قرأ * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) * [الأحزاب 21] قال عمرو فسألنا جابر بن عبد الله فقال لا يقربها حتى يسعى بين الصفا وأما قوله وسئل مالك عن الرجل يلقاه الرجل بين الصفا والمروة فيقف معه يحدثه فقال لا أحب له ذلك قال إن العلماء يكرهون الكلام بغير ذكر الله في الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة إلا فيما لا بد منه لأنه موضع ذكر ودعاء
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»