الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٣ - الصفحة ٣٦٣
وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي والأوزاعي والشافعي وطائفة من أهل المدينة منهم يحيى بن سعيد وأبو الزناد وبن شهاب في رواية وهو معنى قراءة من قرأ * (يطيقونه) * لأن القراءتين على هذا التأويل غير متناقضتين وهذا شأن الحروف السبعة يختلف سماعها ويتفق مفهومها فقراءة من قرأ * (يطيقونه) * يعني بمشقة وهو بمعنى يطوقونه أي يتكلفونه ولا يطيقونه إلا بمشقة وعن بن شهاب رواية أخرى وهي أصح وذلك إن كان يرى الآية في التخيير بين الإطعام والصيام للمسافر والمريض خاصة وقرأها منسوخة كما ذكرنا من قوله - عز وجل - * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * * (فعدة من أيام أخر) * قال القضاء باق ونسخ الخيار قال أبو عمر قول بن شهاب هذا كالقول الأول الذي حكيناه عن ربيعة ومالك ومن ذكرنا معهم في ذلك ومن حجة من قال بوجوب الفدية ظاهر قول الله - عز وجل - * (وعلى الذين يطيقونه) * يريد يطيقونه ويشق عليهم ويضر بهم * (فدية طعام) * قال لو أفطر هؤلاء في الآية المحكمة ألزموا الفدية بدلا من الصوم كما ألزم من لا يطيق الحج ببدنه أن يحج غيره بماله وكما ألزم الجميع الجاني على عضو مخوف الدية بدلا من القصاص في قول الله - عز وجل - * (والجروح قصاص) * [المائدة 45] قال أبو عمر الاحتجاج بهذه الأقوال يطول وقد أكثروا فيها والصحيح في النظر - والله أعلم - قول من قال إن الفدية غير واجبة على من لا يطيق الصيام لأن الله تعالى لم يوجب الصيام على من لا يطيقه لأنه لم يوجب فرضا إلا على من أطاقه والعاجز عن الصوم كالعاجز عن القيام في الصلاة وكالأعمى العاجز عن النظر لا يكلفه وأما الفدية فلم تجب بكتاب مجتمع على تأويله ولا سنة يفقهها من تجب الحجة بفقهه ولا إجماع في ذلك عن الصحابة ولا عن من بعدهم والفرائض لا تجب إلا من هذه الوجوه والذمة بريئة قالوا أحب أن لا يوجب فيها شيء إلا بدليل لا تنازع فيه والاختلاف عن السلف في إيجاب الفدية موجود والروايات في ذلك عن بن عباس مختلفة وحديث علي أن لا يصح عنه وحديث أنس بن مالك يحتمل أن يكون طعامه عن نفسه تبرعا وتطوعا وهو الظاهر في الأخبار عنه في ذلك
(٣٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 ... » »»