الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٣ - الصفحة ٣٧٤
فقلت يا أبا عباس ألست محرما قال بلى فقلت هذا الكلام الذي تكلم به قال لا يكون الرفث إلا ما واجهت به النساء وليس معنا نساء واختلف العلماء في قوله - عز وجل - * (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) * [البقرة 197] فأكثر العلماء على أن الرفث ها هنا جماع النساء وكذلك لم يختلفوا في قوله تعالى * (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) * [البقرة 187] أنه الجماع وأما قوله فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم ففيه قولان أحدهما أن يقول الذي يريد مشاتمته ومقاتلته إني صائم وصومي يمنعني من مجاوبتك لأني أصون صومي عن الخنا والزور والمعنى في المقاتلة مقاتلته بلسانه وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه (1) والمعنى الثاني أن الصائم يقول في نفسه إني صائم يا نفسي فلا سبيل إلى شفاء غيظك بالمشاتمة ولا يعلن بقوله إني صائم لما فيه من الرياء واطلاع الناس عليه لأن الصوم من العمل الذي لا يظهر وكذلك يجزئ الله الصائم أجره بغير حساب ومعنى قوله من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه فمعناه الكراهة والتحذير كما جاء من شرب الخمر فليشقص الخنازير (2) أي يذبحها وليس هذا على الأمر بتشقيص الخنازير ولكنه على تعظيم إثم شارب الخمر وكذلك من اغتاب أو شهد زورا أو منكرا لم يؤمر بأن يدع صيامه ولكنه باجتناب ذلك ليتم له أجر صومه
(٣٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 ... » »»