والآخر أنها نزلت في قوم كانوا في سفر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء فلم يعرفوا القبلة واجتهدوا وصلوا إلى جهات مختلفة ثم بان لهم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل * (فأينما تولوا فثم وجه الله) * فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مضت صلاتكم واختلف الفقهاء في المسافر سفرا لا يقصر فيه الصلاة هل له أن يتنفل على راحلته ودابته أم لا فقال مالك وأصحابه لا يتطوع على الراحلة إلا في سفر يقصر في مثله الصلاة وحجتهم في ذلك أن الأسفار التي حكى بن عمر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى فيها على راحلته تطوعا كانت مما تقصر فيها الصلاة فكأن الرخصة خرجت على ذلك فلا ينبغي أن تتعدي لأنه شيء وقع به البيان كأنه قال إذا سافرتم مثل سفري هذا فافعلوا بفعلي هذا والله أعلم ولأن ترك القبلة لا يجوز (للمصلي إلا بالإجماع أو سنة لا تتفدى) وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والحسن بن حي والليث بن سعد وداود بن [علي لا يجوز التطوع] على الراحلة خارج المصر في كل سفر قصير أو طويل ولم يراعوا مسافة قصر الصلاة وحجتهم أن الآثار (الواردة بذلك ليس) في شيء منها تحديد سفر ولا تخصيص مسافة فوجب امتثال العموم في ذلك وقال أبو يوسف يصلي في المصر على الدابة أيضا بالإيماء لحديث يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك أنه صلى على حمار في أزقة المدينة يومئ إيماء قال أبو عمر (ذكر مالك حديث) يحيى بن سعيد هذا عن أنس فلم يقل فيه في أزقة المدينة بل قال فيه 324 عن يحيى بن سعيد رأيت أنس بن مالك في السفر وهو يصلي على حمار متوجها إلى غير القبلة يركع ويسجد إيماء من غير أن يضع وجهه على شيء
(٢٥٧)