حفظ أحدهم في السنن شيئا، فمن صحيفة مبتاعة، كفاه غيره مؤونة جمعه وشرحه وتبويبه، من غير رواية لها ولا دراية بوزن من نقلها فان تعلق بشئ منها يسير، خلط الغث بالسمين، والسليم بالجريح، ثم فخم ما لفق من المسائل ما شاء، وانها والسنن المأثورة ضدان، فان قلب عليه (م و 15: آ) اسناد حديث تحير فيه، تحير المفتون، وصار كالحمار في الطاحون، وان شاهد المذاكرة سمع ما ليس فس وسعه الجريان فيه، فلجأ إلى الازراء بفرسانه، واعتصم بالطعن على الراكضين في ميدانه، ولو عرف الطاعن (س و 24: ب) على أهل الرحلة مقدار لذة الراحل في رحلته، ونشاطه عند فصوله من وطنه، واستلذاذ جميع جوارحه عند تصرف لحظاته في المناهل والمنازل، والبطنان والظواهر، والنظر إلى دساكر الأقطار وغياضها، وحدائقها ورياضها، وتصفح الوجوه، (ك و 12: آ) واستماع النغم، ومشاهدة ما لم ير من عجائب البلدان، واختلاف الألسنة والألوان، والاستراحة في أفياء الحيطان، وظلال الغيطان، (ظ ص 28) والأكل في المساجد، والشرب من الأودية، والنوم حيث يدركه الليل، واستصحاب من يحب في ذات الله بسقوط الحشمة، وترك التصنع، وكنه ما يصل إلى قلبه من السرور عن ظفره ببغيته، ووصوله إلى مقصده، وهجومه على المجلس الذي شمر له، وقطع الشقة إليه - لعلم أن لذات الدنيا مجموعة في محاسن تلك المشاهد، وحلاوة تلك المناظر، واقتناء تلك الفوائد، التي هي عند أهلها أبهى من زهر الربيع، وأحلى من صوت المزامير، وأنفس من ذخائر العقيان من حيث حرمها هو وأشباهه
(٢١٨)