الاعتبار - ابن أبي الدنيا - الصفحة ٦
فإن كان البلاء النازل على العبد نعمة وعطية دار موقفه بين الشكر والجحود * (إما شاكرا وإما كفورا) * وإن كان البلاء مصيبة أو رزية فهو بين موقفين:
إما الصبر والرضى، وإما السخط والقنوط. والقدر في الحالتين جار وفق مشيئة الله لا يصرفه صارف. فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط.
2 - وصدق الايمان وكذبه، وقوة اليقين وضعفه، كل ذلك يتكشف من خلال التعرض لهذه الفتن، ولربما كان الابتلاء بالرفاه والنعم أشد من الابتلاء بالمحن والاسقام. قال الله تعالى: * (كلا إن الانسان ليطغى أن راه استغنى) *.
3 - وليس في هذه الحياة الدنيا دوام لحال، فلا فقر يدوم ولا غنى، ولا كدر ولا صفاء ولا عسر ولا يسر. فينبغي للانسان أن يوطن نفسه على هذا، ويستحضر دائما أنه في دار اختبار، وأن الحياة الآخرة هي دار القرار.
4 - وكتاب الحافظ بن أبي الدنيا ‌ " الاعتبار وأعقاب السرور والأحزان " يدور برمته حول هذه المعاني، ويسعى إلى تعميقها في نفوس المسلمين.
ويصح لنا من حيث الفحوى أن نقول: " الاعتبار بالسرور والأحزان " أو " الاختبار بالسرور والأحزان " فالمسلم يأخذ العبرة مما يجري عليه وعلى غيره في تقلب الدنيا بأهلها، وتغير أحوالها من النقيض إلى النقيض، كما يستوعب العبرة والموعظة من خلال إدراكه لطبيعة الحياة الدنيا، وطبيعة دورنا فيها، فما دامت أنها دار اختبار فكل ما يرد علينا فيها من سرور وأحزان فهو امتحان واختبار. وهذه النتيجة هي ثمرة أساسية للمرحلة الأولى، إذ العبرة والتجربة
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست