عمدة القاري - العيني - ج ٢٥ - الصفحة ١٠٨
وقيل: الأضراس، وقيل: الدواخل من الأضراس التي في أقصى الحلق، وزاد شيبان بن عبد الرحمن: تصديقا لقول الحبر، وفي رواية فضيل: تعجبا وتصديقا له، وعند مسلم: تعجبا مما قال الحبر تصديقا له، وفي رواية جرير عنده: وتصديقا له، بزيادة: واو، وأخرجه ابن خزيمة من رواية إسرائيل عن منصور: حتى بدت نواجذه تصديقا له.
ثم الكلام هنا في مواضع.
الأول: في أمر الإصبع، قال ابن بطال: لا يحمل الإصبع على الجارحة بل يحمل على أنه صفة من صفات الذات لا يكيف ولا يحدد وهذا ينسب إلى الأشعري، وعن ابن فورك: يجوز أن يكون الإصبع خلقا يخلقه الله فيحمل ما يحمل الإصبع، ويحتمل أن يراد به القدرة والسلطان. وقال الخطابي: لم يقع ذكر الإصبع في القرآن ولا في حديث مقطوع به، وقد تقرر أن اليد ليست جارحة حتى يتوهم من ثبوتها ثبوت الأصابع، بل هو توقيف أطلقه الشارع فلا يكيف ولا يشبه، ولعل ذكر الأصابع من تخليط اليهود، فإن اليهود مشبهة وفيما يدعونه من التوراة ألفاظ تدخل في باب التشبيه ولا تدخل في مذاهب المسلمين، ورد عليه إنكاره ورود الإصبع لوروده في عدة أحاديث. منها: حديث مسلم: إن قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن، قيل: هذا لا يرد عليه لأنه إنما نفى القطع، وفيه نظر لا يخفى، أقول: لا يمنع ثبوت الإصبع الذي هو غير الجارحة، فكما ثبت اليد أنها غير جارحة فكذلك الإصبع.
الموضع الثاني: في تصديق النبي، إياه، قال الخطابي: قول الراوي تصديقا له، ظن منه وحسبان وروى هذا الحديث غير واحد من أصحاب عبد الله فلم يذكروا فيه:
تصديقا له، وقال القرطبي في المفهم وأما من زاد: تصديقا له، فليس بشيء فإن هذه الزيادة من قول الراوي وهي باطلة لأن النبي لا يصدق المحال، وهذه الأوصاف في حق الله تعالى محال، وطول الكلام فيه ثم قال: ولئن سلمنا أن النبي صرح بتصديقه لم يكن ذلك تصديقا في المعنى بل في اللفظ الذي نقله من كتابه عن نبيه، ويقطع بأن ظاهره غير مراد.
الموضع الثالث: في ضحك النبي قال القرطبي: وضحك النبي إنما هو للتعجب من جهل اليهودي، فظن الراوي أن ذلك التعجب تصديق، وليس كذلك، وقال ابن بطال: حاصل الخبر أنه ذكر المخلوقات وأخبر عن قدرة الله جميعا، فضحك النبي تعجبا من كونه يستعظم ذلك، في قدرة الله تعالى.
الموضع الرابع: في أن النبي ما كان يضحك إلا تبسما، وهنا ضحك حتى بدت نواجذه، وهو قهقهة. قال الكرماني: كان التبسم هو الغالب، وهذا كان نادرا، أو: المراد بالنواجذ الأضراس مطلقا.
الموضع الخامس: في الحكمة في قراءته قوله تعالى: * (وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) * فقيل: أشار بهذا إلى أن الذي قاله اليهودي يسير في جنب ما يقدر عليه، أي: ليس قدرته بالحد الذي ينتهي إليه الوهم أو يحيط به الحد والبصر، وقال الخطابي: الآية محتملة للرضاء والإنكار، وقال القرطبي: ضحكه تعجبا من جهل اليهودي فلذلك قرأ هذه الآية: * (وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) * أي: ما عرفوه حق معرفته وما عظموه حق عظمته.
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا شخص أغير من الله))) أي: هذا باب في قول النبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: لا شخص أغير من الله ووقع في بعض النسخ: باب قول النبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: لا أحد أغير من الله، وقال عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك: لا شخص أغير من الله، وابن بطال غير قوله: لا شخص بقوله: لا أحد، وعليه شرح. وقال: اختلف ألفاظ هذا الحديث فلم يختلف في حديث ابن مسعود أنه بلفظ: لا أحد، فظهر أن لفظ: شخص، جاء في موضع: أحد، فكان من تصرف الراوي. قلت: اختلاف ألفاظ الحديث هو أن في رواية ابن مسعود: ما من أحد أغير من الله، وفي رواية عائشة: ما أحد أغير من الله، وفي رواية أسماء: لا شيء أغير من الله، وفي رواية أبي هريرة: إن الله تعالى يغار، كل ذلك مضى في كتاب النكاح في: باب الغيرة، ورواية ابن مسعود مبينة أن لفظ: الشخص، موضوع موضع: أحد، وقال الداودي: في قوله: لا شخص أغير من الله لم يأت متصلا ولم تتلق الأمة مثل هذه الأحاديث بالقبول، وهو يتوقى في الأحكام التي لا تلجىء الضرورة الناس إلى العمل به. وقال الخطابي: إطلاق الشخص في صفات الله غير جائز لأن الشخص إنما يكون جسما مؤلفا، وخليق أن لا تكون هذه اللفظة صحيحة، وأن تكون تصحيفا من الراوي
(١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»