البيت غير الخبز فهو إدام سواء كان رطبا أو يابسا، فعلى هذا إن من حلف أن لا يأتدم فأكل خبزا بتمر فإنه يحنث، ولكن قالوا: إن هذا محمول على أن الغالب في تلك الأيام أنهم كانوا يتقوتون بالتمر لشظف عيشهم ولعدم قدرتهم على غيره إلا نادرا وأما الفصل الثاني: ففيه خلاف بين العلماء فقال أبو حنيفة وأبو يوسف: الإدام ما يصطبغ به مثل الزيت والعسل والملح والخل، وأما ما لا يصطبغ به مثل اللحم المشوي والجبن والبيض فليس بإدام، وقال محمد: هذه إدام وبه قال مالك والشافعي وأحمد، وهو رواية عن أبي يوسف. فإن قلت: معنى ما يصطبغ به ما يختلط به الخبز، فكيف يختلط الخبز بالملح؟.
قلت: يذوب في الفم فيحصل الاختلاط. وفي (التوضيح): وعند المالكية يحنث بكل ما هو عند الحالف إدام ولكل قوم عادة.
7866 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن عبد الرحمان بن عابس عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز بر مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق بالله).
قال الكرماني: كيف دل الحديث على الترجمة؟ ثم قال: لما كان التمر غالب الأوقات موجودا في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا شباعا منه علم أنه ليس أكل الخبز به ائتداما أو ذكر هذا الحديث في هذا الباب بأدنى ملابسة وهو لفظ؛ المأدوم، ولم يذكر غيره لأنه لم يجد حديثا بشرطه يدل على الترجمة، أو هو أيضا من جملة تصرفات النقلة على الوجه الذي ذكروه. انتهى.
قلت: ذكر فيه ثلاثة أوجه: الوجه الأول: رده بعضهم بقوله: هو مباين لمراد البخاري ولم يبين المراد ما هو؟.
قلت: حديث عبد الله بن سلام المذكور آنفا أقوى في الرد عليه الوجه الثاني: قال فيه بعضهم: إنه هو المراد لكن ينضم إليه ما ذكره ابن المنير، والذي ذكره ابن المنير هو أنه قال: مقصود البخاري الرد على من زعم أنه لا يقال ائتدم إلا إذا أكل ما يصطبغ به. انتهى.
قلت: الحديث لا يدل أصلا على رد الزاعم بهذا لأن لفظ: مأدوم، أعم من أن يكون الإدام فيه مما يصطبغ به أو لا يصطبغ به. الوجه الثالث: بعيد جدا على ما لا يخفى.
ومحمد بن يوسف شيخ البخاري هو البخاري البيكندي، وسفيان هو ابن عيينة، و عبد الرحمن بن عابس بالعين المهملة وبالياء الموحدة المكسورة وبالسين المهملة يروي عن أبيه عابس بن ربيعة النخعي.
والحديث مضى في الأطعمة عن خلاد بن يحيى عن سفيان مطولا، وهنا ذكر قطعة منه.
قوله: تباعا) بكسر التاء أي: متتابعة. قوله: (حتى لحق بالله) كناية عن الموت.
وقال ابن كثير: أخبرنا سفيان حدثنا عبد الرحمان عن أبيه أنه قال ل عائشة بهاذا.
أي: قال محمد بن كثير بالثاء المثلثة البصري وهو أحد مشايخ البخاري، وسفيان هو الثوري، وعبد الرحمن هو ابن عابس المذكور في الحديث السابق، وإنما ذكره البخاري مذاكرة عن ابن كثير إشارة لدفع ما يتوهم من العنعنة في الطريق التي قبلها من الانقطاع، وقد صرح في هذا الطريق لقوله أنه قال لعائشة أي: أن عابسا والد عبد الرحمن قال لعائشة بهذا، يعني: سأل منها بعد أن لقيها عن هذا الحديث.
8866 حدثنا قتيبة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك قال: قال أبو طلحة لأم سليم: ل قد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم. فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخذت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبت فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرسلك أبو طلحة؟) فقلت: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: (قوموا فانطلقوا) وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة