عمدة القاري - العيني - ج ٢٣ - الصفحة ٢٠٥
كذا أو لا أشرب كذا، ولم يذكر جواب: إذا، على عادته. قوله: طعامه، وروي عن أبي ذر، طعاما، والجواب ينعقد يمينه، وعليه كفارة يمين إذا استباحه، لكن إذا حلف وهو الذي ذهب إليه البخاري، فلذلك أورد حديث الباب، لأن فيه: قد حلفت، وعن أبي حنيفة والأوزاعي كذلك، ولكن لا يشترط لفظ الحلف. وقال الشافعي: لا شيء عليه في ذلك، وقال مالك: لا يكون الحرام يمينا في طعام ولا شراب إلا في المرأة، فإنه يكون طلاقا يحرمها عليه، وروي عن الشافعي كذلك، رواه الربيع عنه، وروي عن بعض التابعين أن التحريم ليس بشيء سواء حرم عليه زوجته أو شيئا من ذلك لا يلزمه كفارة في شيء من ذلك، وبه قال أبو سلمة ومسروق والشعبي.
وقوله تعالى: * (ياأيها النبى لم تحرم مآ أحل الله لك تبتغى مرضات أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم) * (التحريم: 1 2) وقوله: * ((5) لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) * (المائدة: 78) [/ ح.
ذكر هاتين الآيتين إشارة إلى بيان ما ذكره من الترجمة بأن تحريم المباح يمين، وفيها الكفارة. لكن لفظ الحلف شرط عنده كما ذكرناه، وسبب نزول الآية الأولى قد مر في كتاب الطلاق في: باب * (لم تحرم ما أحل الله لك) * وأورد فيه حديثين عن عائشة رضي الله عنها، وبين فيهما قصة تحريم النبي صلى الله عليه وسلم، مارية التي أهداها إليه المقوقس صاحب إسكندرية، والعسل، وذكرنا الاختلاف فيه: هل نزلت الآية في تحريم مارية أو في تحريم العسل؟ قوله: * (تبتغي مرضات أزواجك) * أي: تطلب رضاهن بتحريم ذلك قوله: * (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) * (التحريم: 2). أي: قد قدر الله ما تحللون به أيمانكم، وأصل تحللة تحلة على وزن: تفعلة، فأدغمت اللام في اللام وهي من المصادر كالترضية والتسمية قوله: * (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) * (المائدة: 78) هذا توبيخ لمن فعل ذلك، فلذلك قال: * (لا تعتدوا) * فجعل ذلك من الاعتداء.
1966 حدثنا الحسن بن محمد حدثنا الحجاج عن ابن جريج قال: زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول: سمعت عائشة تزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا، فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير! أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما فقالت ذالك له، فقال: (لا! بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له) فنزلت: * (ياأيها النبى لم تحرم مآ أحل الله لك تبتغى مرضات أزواجك والله غفور رحيم) * (التحريم: 1) * (إن تتوبا إلى الله) * (التحريم: 4) لعائشة وحفصة: * (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) * (التحريم: 3) لقوله: (بل شربت عسلا).
وقال لي إبراهيم بن موسى عن هشام: (ولن أعود له، وقدد حلفت فلا تخبري بذالك أحدا).
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، والحجاج هو ابن محمد المصيصي، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وعطاء هو ابن أبي رباح، وعبيد بن عمير كلاهما مصغر.
والحديث قد مر في كتاب الطلاق بعين هذا الإسناد والمتن، ومر الكلام فيه.
قوله: (زعم) أي: قال، وكذا معنى: تزعم، أي: تقول. قوله: (أن أيتنا) بالتاء لغة في أينا، والمشهور بغير التاء. قوله: (مغافير) بالغين المعجمة والفاء جمع مغفور، وهو نوع من الصمغ يتحلب عن بعض الشجر حلو كالعسل وله رائحة كريهة، ويقال أيضا: مغاثير، بالثاء المثلثة بدل الفاء جمع: مغثور كثوم وفوم، ويقال: المغفور شيء ينضحه شجر العرفط كريه الرائحة، وقيل: هو حلو كالناطف يحل بالماء ويشرب، وقال أبو عمر: ويقال أغفر الرمث إذا ظهر ذلك فيه، وقال الكسائي: خرج الناس يتمغفرون إذا خرجوا يجتنونه من ثمره، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن توجد منه الرائحة لأجل مناجاة الملائكة
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»