أي: هذا باب في بيان ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: هذا المال... أشار به إلى المال الذي يتصرف فيه الناس. قوله: خضرة، التاء فيه للمبالغة أو باعتبار أنواع المال، وكذا الكلام في: حلوة.
وقال الله تعالى: * (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا) * (آل عمران: 41) [/ ح.
سيقت هذه الآية كلها في رواية كريمة، وفي رواية أبي ذر * (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين) *... الآية، وفي رواية أبي زيد المروزي * (حب الشهوات) *... الآية وكانت رواية الإسماعيلي مثل رواية أبي ذر. وزاد إلى قوله: * (ذلك متاع الحياة الدنيا) *.
قوله: * (زين للناس) * أي: في هذه الدنيا من أنواع الملاذ من النساء، فبدأ بهن لأن الفتنة بهن أشد لقوله صلى الله عليه وسلم في (الصحيح): ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء، فإذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه لقوله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة...) الحديث، ثم ذكر البنين، فلا يخلو حبهم إما أن يكون للتفاخر والزينة فهو داخل فيها، وإما أن يكون لتكثير النسل وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم. فهذا محمود ممدوح، كما في الحديث: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة). قوله: * (القناطير المقنطرة) * اختلف المفسرون في مقدار القنطار على أقوال: فقال الضحاك. المال الجزيل، وقيل: ألف دينار، وقيل: ألف ومائتان، وقيل: اثنا عشر ألفا، وقيل: أربعون الفا، وقيل: سبعون ألفا، وقيل: ثمانون ألفا. وروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القنطار اثنا عشر ألف أوقية، كل أوقية خير مما بين السماء والأرض، ورواه ابن ماجة أيضا، وروى ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عارم عن حماد عن سعيد الحرشي عن أبي نصرة عن أبي سعيد الخدري، رضي الله تعالى عنه، قال: القنطار ملء مسك الثور ذهبا، وروي عن حماد مرفوعا، والموقوف أصح، وعن سعيد بن جبير: القنطار مائة ألف دينار. قوله: * (المقنطرة) * مبنية من لفظ القنطار للتوكيد كقولهم: ألف مؤلفة، وبدرة مبدرة. قوله: * (والخيل المسومة) * أي: المعلمة * (والأنعام) * الأزواج الثمانية. قوله: * (والحرث) * بمعنى الأراضي المتخدة للغراس والزراعة، وروى أحمد من حديث سويد بن هبيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال (خير مال امرئ مهرة مأمورة أو سكة مأبورة). المأمورة الكثيرة النسل، والسكة النخيل المصطف، والمأبورة الملقحة. قوله: * (ذلك) * أي: المذكور * (متاع الحياة الدنيا) * أي: إنما هذه زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية الزائلة. قوله: * (والله عنده حسن المآب) * أي: حسن المرجع والثواب.
قال عمر: اللهم! إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا، اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه.
أي: قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، في الآية المذكورة: إنا لا نستطيع أي: لا نقدر إلا أن نفرح بما زينته لنا، أي: بما حصل لنا مما في آية * (زين للناس حب الشهوات من النساء) * ثم لما رأى أن فتنة المال والغنى مسلطة على من فتحه الله عليه لتزيين الله تعالى له ولشهوات الدنيا في نفوس العباد، دعا الله تعالى بقوله: اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه، لأن من أخذ المال من حقه ووضعه في حقه فقد سلم من فتنته، وهذا الأثر وصله الدارقطني في (غرائب مالك) من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري: أن عمر بن الخطاب، أتي بمال من المشرق يقال له: نفل كسرى، فأمر به فصب وغطي، ثم دعا الناس فاجتمعوا، ثم أمر به فكشف عنه فإذا هو حلي كثير وجواهر ومتاع، فبكى عمر رضي الله تعالى عنه، وحمد الله عز وجل، فقالوا: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ هذه غنائم غنمها الله لنا ونزعها من أهلها. فقال: ما فتح الله من هذا على قوم إلا سفكوا دماءهم واستحلوا حرمتهم، قال: فحدثني زيد بن أسلم أنه بقي من ذلك المال مناطق وخواتم، فرفع فقال له عبد الله بن أرقم: حتى متى تحبسه لا تقسمه؟ قال: بلى إذا رأيتني فارغا فاذني به، فلما رآه فارغا بسط شيئا في حش نخلة ثم جاء به في مكتل فصبه فكأنه استكثره، ثم قال: اللهم أنت قلت: * (زين للناس حب الشهوات) *... الآية حتى فرغ منها، ثم قال: لا نستطيع ألا أن نحب ما زينت لنا، فقني شره وارزقني أن أنفقه في حقك، فما قام حتى ما بقي منه شيء، وهذا التعليق قد سقط في رواية أبي زيد المروزي.