عمدة القاري - العيني - ج ٢٣ - الصفحة ٥٩
قال الكرماني: هذا مشكل لأن نصف الحديث يبقى بدون الإسناد، ثم إن النصف مبهم أهو النصف الأول أم الآخر؟ ثم أجاب بأنه اعتمد على ما ذكر في كتاب الأطعمة من طريق يوسف بن عيسى المروزي، وهو قريب من نصف هذا الحديث، فلعل البخاري أراد بالنصف المذكور لأبي نعيم ما لم يذكره ثمة، فيصير الكل مسندا بعضه بطريق يوسف والبعض الآخر بطريق أبي نعيم. وقال صاحب (التلويح): ذكر البخاري هذا الحديث في الاستئذان مختصرا، فقال: حدثنا أبو نعيم حدثنا عمر بن ذر وعن محمد بن مقاتل عن ابن المبارك عن عمر بن ذر حدثنا مجاهد، وكان هذا هو النصف المشار إليه ههنا. انتهى. واعترض عليه الكرماني بقوله: ليس ما ذكره ثمة نصفه ولا ثلثه ولا ربعه، وقال بعضهم: فيه نظر من وجهين آخرين. أحدهما: احتمال أن يكون هذا السياق لابن المبارك، فإنه لا يتعين كونه لفظ أبي نعيم. وثانيهما: أنه منتزع من أثناء الحديث، فإنه ليس فيه القصة الأولى المتعلقة بأبي هريرة، ولا ما في آخره من حصول البركة في اللبن إلى آخره.
قلت: في هذا النظر نظر لأنه إذا لم يتعين كون السياق لأبي نعيم كذلك لا يتعين كونه لابن المبارك، وكونه منتزعا من أثناء الحديث لا يضر على ما لا يخفى.
قوله: (الله) بالنصب قسم حذف حرف الجر منه، ويروى: والله، على الأصل. قوله: (إن كنت) كلمة: إن، هذه مخففة من الثقيلة. قوله: (لأعتمد بكبدي على الأرض) أي: إلصق بطني بالأرض. قوله: (وإن كنت) وإن هذه أيضا مخففة من الثقيلة. قوله: (لأشد الحجر على بطني) اللام فيه للتأكيد وفي رواية عن أبي هريرة: لتأتي على أحدنا الأيام ما يجد طعاما يقيم به صلبه حتى إن كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشد به على أخمص بطنه ثم يشده بثوبه ليقيم به صلبه، وفائدة شد الحجر على البطن المساعدة على الاعتدال والانتصاب على القيام أو المنع من كثرة التحلل من الغذاء الذي في البطن لكونها حجارة رقاقا تعدل البطن، وربما سدت طرف الأمعاء فيكون الضعف أقل، أو تقليل حرارة الجوع ببرودة الحجر، أو الإشارة إلى كسر النفس وإلقامها الحجر، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. وقال الخطابي: أشكل الأمر في شد الحجر على قوم حتى توهموا أنه تصحيف من الحجز بالزاي جمع الحجزة التي يشد بها الإنسان وسطه، لكن من أقام بالحجاز عرف عادة أهله في أن المجاعة تصيبهم كثيرا فإذا خوى البطن لم يكن معه الانتصاب فيعمد حينئذ إلى صفائح رقاق في طول الكف فيربطها على البطن فتعتدل القامة بعض الاعتدال.
قلت: وممن أنكر ربط الحجر ابن حبان في (صحيحه): قوله: (على طريقهم) أي: طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ممن كان طريق منازلهم إلى المسجد متحدة. قوله: (ليشبعني) من الإشباع من الجوع، وفي رواية الكشميهني: ليستتبعني، من الاستتباع وهو طلب أن يتبعه. قوله: (فمر) أي: إلى حاله ولم يفعل أي: الإشباع أو الاستتباع. قوله: (ثم مر بي عمر رضي الله تعالى عنه) كأنه استقر هنا حتى مر به عمر فوقع أمره معه مثل ما وقع مع أبي بكر، والظاهر أنهما حملا سؤال أبي هريرة على ظاهره، وهو سؤاله عن آية من القرآن، أو لم يكن عندهما شيء إذ ذاك، ويروى أن عمر رضي الله تعالى عنه، تأسف على عدم إدخاله أبا هريرة في داره. قوله: (وما في وجهي) أي: من التغير فيه من الجوع. قوله: (أباهر) ووقع في رواية علي بن مسهر فقال أبو هر، ووجهه على لغة من لا يعرب الكنية وهو بتشديد الراء وهو إما رد الاسم المؤنث إلى المذكر أو المصغر إلى المكبر فإن كنيته في الأصل: أبو هريرة تصغير هرة مؤنثا. وأبو هر مذكر مكبر، وقيل: يجوز فيه تخفيف الراء مطلقا، ووقع في رواية يونس بن بكير فقال: أبو هريرة، أي: أنت أبو هريرة. قوله: (إلحق) من اللحوق أي: اتبعني قوله: (فدخل) زاد ابن مسهر: إلى أهله، قوله: (فاستأذن) على صيغة المتكلم من المضارع وفي رواية علي بن مسهر ويونس: فأستادنت. قوله: (فدخل) فيه التفات، وفي رواية علي بن مسهر فدخلت، وهي ظاهرة. قوله: (فوجد لبنا في قدح) وفي رواية علي بن مسهر: فإذا هو لبن في قدح، وفي رواية يونس: فوجد قدحا من اللبن. قوله: (من أين هذا اللبن) زاد روح: لكم، وفي رواية ابن مسهر: فقال لأهله: من أين لكم هذا؟ قوله: (أو فلانة) شك من الراوي. قوله: (إلحق إلى أهل الصفة) عدى: إلحق، بكلمة: إلى لأنه ضمنه معنى: انطلق. وكذا وقع في رواية روح: انطلق. قوله: (قال: وأهل الصفة) سقط لفظ قال في رواية روح، ولا بد منه لأنه من كلام أبي هريرة. قوله: (ولا على أحد) تعميم بعد تخصيص فيشمل الأقارب والأصدقاء وغيرهم. قوله: (فساءني ذلك) وفي رواية علي بن مسهر: والله، ومعناه أهمني ذلك. قوله: (وما هذا اللبن في أهل الصفة)؟ أي: ما قدره في أهل الصفة؟ الواو فيه عطف على محذوف تقديره: هذا قليل أو نحو ذلك، وما هذا؟ وفي رواية يونس بحذف الواو، وفي رواية
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»