عمدة القاري - العيني - ج ٢٢ - الصفحة ٨٧
عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ومنع وهات ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال.
مطابقته للترجمة ظاهرة في عقوق الأمهات. والترجمة في عقوق الوالدين، ولا اعتراض من هذه الحيثية لأن ذكر الأمهات في الحديث ليس للتخصيص بالحكم، بل لأن الغالب ذلك لعجزهن، وقيل: لأن لعقوق الأمهات مزية في القبح أو اكتفى بذكر أحد الوالدين عن الآخر.
وسعد بن حفص أبو محمد الطلحي الكوفي، يقال له الضخم، وانفرد به البخاري عن الخمسة وليس في شيوخهم من اسمه سعد سواء، مات سنة خمس عشرة ومائتين، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي، ومنصور هو ابن المعتمر، والمسيب على وزن اسم المفعول من التسييب ابن رافع الكاهلي، ووراد بفتح الواو وتشديد الراء مولى المغيرة، والمغيرة هو ابن شعبة، وفي بعض النسخ ذكر والده.
والحديث مضى في الزكاة في: باب قول الله عز وجل: * ((2) لا يسألون الناس إلحافا) * (البقرة: 273) ومضى في الاستقراض أيضا عن عثمان عن جرير، ومضى الكلام فيه.
قوله: (ومنع وهات)، أي: حرم عليكم منع ما عليكم إعطاؤه وطلب ما ليس لكم أخذه، وقيل: نهى عن منع الواجب من ماله وأقواله وأفعاله وعن استدعاء ما لا يجب عليهم من الحقوق، ومنع بغير تنوين وقع فيما تقدم. قوله: (وهات) بكسر التاء فعل أمر من الإيتاء، وقال الخليل: أصل هات آت فقلبت الهمزة هاء، وقال بعضهم: فقلبت الألف وهذا غلط لا يخفى. قوله: (ووأد البنات) أي: وحرم أيضا، وأد البنات وهو دفنهن بالحياة، يقال: وأدها يئدها وأدا فهي مؤودة، ذكرها الله في كتابه، وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهة فيهن. ويقال: إن أول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميمي، وكان بعض أعدائه أغار عليه فأسر بنته فاتخذها لنفسه ثم حصل بينهم صلح فخير ابنته فاختارت زوجها، فآلى قيس على نفسه أن لا تولد له بنت إلا دفنها حية، فتبعه العرب على ذلك، وكان من العرب فريق ثان يقتلون أولادهم مطلقا إما نفاسة منه على ما ينقصه من ماله، وإما من عدم ما ينفقه عليه، وقد ذكر الله أمرهم في القرآن، وكان صعصعة بن ناجية التميمي جد الفرزدق همام بن غالب بن صعصعة أول من فدى المؤودة، وذلك أنه كان يعمد إلى من يفعل ذلك فيفدي الولد منه بمال يتفقان عليه، وإلى ذلك أشار الفرزدق بقوله:
* وجدى الذي منع الوائدات * وأحي الوئيد فلم يؤد * قوله: (قيل) وقال فيه ثلاثة أوجه. الأول: أن يكون كلاهما مصدرين، يقال: قال قولا وقيلا وقالا، ولم يكتبا بالألف لأنها لغة ربيعة، وفي (التوضيح) كذا رويناه بغير صرف، يعني بغير تنوين، ويروى بالتنوين. قلت: الأصل أن يكون بالتنوين لأنه اسم وقع مفعولا وحقه النصب بالتنوين ومعناه: النهي عن كثرة القول فيما لا يعني، وكرر للتأكيد. الثاني: أن يكون كلاهما فعلين: الأول: مجهول الفعل الماضي، والثاني: معلوم الماضي وهما مبنيان متضمنان للضمير ومعناه، قيل لفلان كذا وقال فلان كذا، وذلك للزجر عن الاستكثار. الثالث: أن يكونا حكاية أقاويل الناس: قال فلان كذا وقيل كذا، أو في أمور الذين بأن ينقل من غير احتياط ودليل. قوله: (وكثرة السؤال) أي: في المسائل التي لا حاجة له إليها أو من الأموال أو عن أحوال الناس. قوله: و (إضاعة المال) وهو الإسراف في الإنفاق وقيل: الإنفاق في الحرام.
5976 حدثني إسحاق حدثنا خالد الواسطي عن الجريري عن عبد الرحمان بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت.
مطابقته للترجمة في قوله: (وعقوق الوالدين) وإسحاق هو ابن شاهين الواسطي، وخالد هو ابن عبد الله الطحاوي الواسطي، والجريري بضم الجيم وفتح الراء الأولى نسبة إلى جرير بن عباد أخي الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن بكر بن
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»