يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل، وقيل: الأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا، وقيل: الأخذ بمكارم الأخلاق، وقيل: الوقوف مع المستحسنات، وقيل: هو تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك فافهم.
1 ((باب البر والصلة وقول الله تعالى: * (الإنسان بوالديه حسنا) * (العنكبوت: 8)) أي: هذا باب في ذكر البر والصلة، والبر والإحسان ومنه البر في حق الوالدين وهو في حقهما وحق الأقربين من الأهل، ضد العقوق وهو الإساءة إليهم والتضييع لحقهم، يقال: بريبر فهو بار وجمعه بررة، وجمع البر أبرار، والصلة هي صلة الأرحام وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار والتعطف عليهم والرفق بهم والرعاية لأحوالهم، وكذلك إن بعدوا وأساؤوا، وقطع الرحم قطع ذلك كله، يقال: وصل رحمه يصلها وصلا وصلة، وأصل الصلة: وصل، فحذفت الواو تبعا لفعله وعوضت عنها الهاء فكأنه بالإحسان إليهم قد وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والصهر. وقوله: (باب البر... إلخ) هكذا وقع لأكثر الرواة وحذف بعضهم لفظ: البر والصلة، واقتصر النسفي على قوله: كتاب البر والصلة... إلى آخره قوله: (وقول الله) بالجر عطفا على ما قبله من المجرور بالإضافة، هذه الآية وقعت بهذا اللفظ في العنكبوت وفي الأحقاق أما التي في العنكبوت فهي قوله تعالى: * (ووصينا الإنسان.. لك به علم) * (الأحقاف: 15)، وأما التي في الأحقاق فهي قوله تعالى: * ((13) ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها) * (لقمان: 14) وفي لقمان أيضا: * (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن) *... الآية.
والمراد هنا الآية التي في العنكبوت، وسبب نزول هذه الآية ما روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أنه قال: نزلت يعني: الآية المذكورة في خاصة، كنت رجلا بارا بأمي، فلما أسلمت قالت: يا سعد! ما هذا الذي أحدثت؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب، ولا يعلني سقف حتى أموت فتعير في فيقال: يا قاتل أمه، فقلت: لا تفعلي يا أماه فإني لا أترك ديني هذا، فمكثت يوما وليلة لا تأكل، فلما أصبحت جهدت ومكثت يوما آخر وليلة كذلك، فلما رأيت ذلك منها، قلت: تعلمين والله يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا، فكلي إن شئت أو لا تأكلي، فلما رأت ذلك أكلت فنزلت هذه الآية، والتي في لقمان والأحقاف وأمره صلى الله عليه وسلم، أن يرضيها ويحسن إليها ولا يطيعها في الشرك. قلت: اسم أم سعد المذكورة: حمنة، بفتح الحاء المهملة وسكون الميم بعدها نون بنت سفيان بن أمية وهي ابنة عم أبي سفيان بن حرب بن أمية، ولم يعلم إسلامها واقتضت الآية الكريمة الوصية بالوالدين والأمر بطاعتهما ولو كانا كافرين إلا إذا أمرا بالشرك فتجب معصيتهما في ذلك. قوله: (حسنا) نصب بنزع الخافض أي: بحسن، وقرئ إحسانا على تقدير: أن تحسن إحسانا، وحسنا أعم في البر.
5970 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة قال: الوليد بن عيزار أخبرني قال: سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: أخبرنا صاحب هاذه الدار. وأومأ بيده إلى دار عبد الله. قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قال: ثم أي. قال: الجهاد في سبيل الله، قال: حدثني بهن ولو استزدته لزادني.
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن قوله: باب البر، هو بر الوالدين والآية أيضا في بر الوالدين. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، والوليد بن عيزار بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف بعدها زاي ثم راء، ووقع لبعض الرواة: العيزار، بالألف واللام. قوله قال: الوليد بن عيزار أخبرني، هو من تقديم اسم الراوي على الصيغة، وهو جائز، وكان شعبة يستعمله كثيرا، وأبو عمر والشيباني اسمه سعد بن أبي إياس، والشيباني من شيبان بن ثعلبة بن عكامة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم وعاش مائة وعشرين سنة، وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه.
والحديث مضى في مواقيت الصلاة في: باب فضل الصلاة لوقتها، بعين هذا الإسناد والمتن. فإن قلت: تقدم في: باب الإيمان إن إطعام الطعام خير أعمال