عمدة القاري - العيني - ج ٢٢ - الصفحة ٤٧
عنه، أنه رأى رجلا قد ترك لحيته حتى كبرت فأخذ يجذيها ثم قال: ائتوني بحلمتين ثم أمر رجلا فجزما تحت يده، ثم قال: إذهب فأسلح شعرك أو أفسده، يترك أحدكم نفسه حتى كأنه سبع من السباع، وكان أبو هريرة يقبض على لحيته فيأخذ ما فضل، وعن ابن عمر مثله، وقال آخرون: يأخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، ولم يجدوا في ذلك حدا غير أن معنى ذلك عندي ما لم يخرج من عرف الناس، وقال عطاء: لا بأس أن يأخذ من لحيته الشيء القليل من طولها وعرضها إذا كبرت وعلت كراهة الشهرة، وفيه تعريض نفسه لمن يسخر به، واستدل بحديث عمر بن هارون عن أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها، أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: عمر بن هارون مقارب الحديث لا أعرف له حديثا ليس له أصل، أو قال: ينفرد به إلا هذا الحديث، قال: ورأيته حسن الرأي في عمر بن هارون، وسمعت قتيبة يقول: عمر بن هارون كان صاحب حديث وكان يقول: الإيمان قول وعمل.
قوله: (وكان ابن عمر إذا حج)... إلى آخره موصول بالسند المذكور إلى نافع وقد أخرجه مالك في (الموطأ) عن نافع بلفظ: كان ابن عمر إذا حلق رأسه في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه. قوله: (فما فضل) بفتح الفاء والضاد المعجمة، وحكى كسر الصاد كعلم والفتح أشهر، وقال الكهرماني: وما فضل أي: من قبضة اليد قطعه تقصيرا ولعل ابن عمر جمع بين حلق الرأس وتقصير اللحية اتباعا لقوله تعالى: * ((84) محلقين رؤوسكم ومقصرين) * (الفتح: 27) هذا هو المقدار الذي قاله الكرماني، وقد نقل عنه بعضهم ما لم يقله ثم طول الكلام بما لا يستحق سماعه، فذلك تركته، وقال النووي: يستثني من الأمر بإعفاء اللحى ما لو نبتت للمرأة لحية فإنه يستحب لها حلقها، وكذا لو نبت لها شارب أو عنفقة.
65 ((باب إعفاء اللحى)) أي هذا باب في بيان إعفاء اللحى، قال بعضهم: استعمله من الرباعي وهو بمعنى الترك. قلت: لا يسمى هذا رباعيا في الاصطلاح، وإنما يسمى مزيد الثلاثي.
عفوا: كثروا وكثرت أموالهم ليس هذا بموجود في بعض النسخ، وأشار به إلى تفسير قوله تعالى في الأعراف: * ((7) حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء) * (الأعراف: 95) وفسر قوله: (عفوا) بمعنى: كثروا وكثرت أموالهم، وذكر في الترجمة: الإعفاء وهو من المزيد كما قلنا ثم ذكر: عفوا، وهو من الثلاثي المجرد فكأنه أشار بهذا إلى أن هذه المادة في الحديث جاءت لمعنيين فعلى الأول: تكون همزة: إعفوا، همزة قطع وعلى الثاني: همزة وصل، وقال ابن التين: وبهمزة قطع أكثر.
5893 حدثني محمد أخبرنا عبدة أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: انهكوا الشوارب وأعفوا اللحى. (انظر الحديث 5892).
مطابقته للترجمة في قوله: (واعفوا اللحى) ومحمد هو ابن سلام وعبدة بفتح العين وسكون الباء ابن سليمان، وعبيد الله بن عمر العمري، وقد مر عن قريب.
والحديث أخرجه مسلم ولفظه: احفوا الشوارب وأعفو مأمورا به، فلم أخذ ابن عمر من لحيته وهو راوي الحديث؟ وأجيب بأنه لعله خصص بالحج أو أن المنهي هو قصها كفعل الأعاجم.
66 ((باب ما يذكر في الشيب)) أي: هذا باب في بيان ما الذي يذكر في أمر السيب: هل يترك على حاله أو يخضب، والشيب بياض الرأس عن الأصمعي وغيره، وقال الجوهري: الشيب والمشيب واحد، والأشيب المبيض الرأس، وقد شاب رأسه شيبا وشيبة وهو أشيب على غير قياس، ويجمع على: شيب، بكسر الشين. فإن قلت: ما وجه ذكر هذا الباب ههنا؟ قلت: لأجل المناسبة بينه وبين الباب الذي قبله، ووجه ذكر الأبواب الثلاثة التي قبله هنا هو ما فيها من نوع الزينة فتدخل في كتاب اللباس.
5894 حدثنا معلى بن أسد حدثنا وهيب عن محمد بن سيرين قال: سألت أنسا
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»