أبو إسحاق سليمان.
والحديث قد مضى في أواخر كتاب الأدب أخرجه عن سليمان بن حرب عن شعبة عن الأشعث بن سليم عن معاوية بن سويد بن المقرن عن البراء. وأخرجه في الجنائز عن أبي الوليد. وأخرجه في المظالم عن سعيد بن الربيع وفي اللباس عن آدم وعن محمد بن مقاتل وقبيصة وفي الطب في حفص بن عمرو في الأدب عن سليمان بن حرب وفي النذور عن بندار عن غندر وفي النكاح عن الحسن بن الربيع وفي الأشربة عن موسى بن إسماعيل وفي النذور أيضا عن قبيصة.
ونبين ما في هذه الروايات من الاختلاف بالزيادة والنقصان. أما هنا فإثنان من السبعة: نصر الضعيف وعون المظلوم، وفي الجنائز ذكر: إجابة الداعي ونصر المظلوم، ولم يذكر هنا: إجابة الداعي، وذكر عون المظلوم عوض نصر المظلوم، ووجهه أن التخصيص بالعدد في الذكر لا ينفي الغير، أو أن الضعيف أيضا داع والنصر إجابة وبالعكس، وذكر هنا إفضاء السلام وهناك رد السلام، وهما متلازمان شرعا. وأما في المظالم فكذلك ذكر إجابة الداعي ونصر المظلوم، وهنا ذكر عون المظلوم وعونه هو نصره.
وأما في اللباس فمن ثلاث طرق: أحدها: عن آدم ففيه إجابة الداعي ونصر المظلوم. والثاني: عن محمد ابن مقاتل فأخرجه مختصرا: نهانا النبي صلى الله عليه وسلم، عن المياثر الحمر وعن القسي. والثالث: عن قبيصة: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع: عيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس، ونهانا عن لبس الحرير والديباج والقسي والإستبرق ومياثر الحمر. وأما في الطب فالنهي مقدم والأمر مؤخر، فذكر في النهي ستة. السادس: الميثرة، وذكر في الأمر ثلاثة: أن نتبع الجنائز ونعود المريض ونفشي السلام. وأما في الأدب فقدم الأمر وذكر الستة اثنان منها إجابة الداعي ونصر المظلوم، وفيه لفظ: رد السلام، موضع: إفشاء السلام، وذكر في النهي ستة أيضا آخرها: والمياثر، وفيه لفظ: الديباج والسندس، وأما في النذور فعن قبيصة وبندار مختصرا: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم، بإبرار المقسم. وأما في النكاح فقدم الأمر وذكر السبعة، وفيها: إجابة الداعي وذكر في النهي ستة وفيها: عن المياثر والقسي. وأما في الأشربة فكذلك قدم الأمر وذكر في النهي خمسة، فإذا عد أنواع الحرير يكون سبعة، وفيها: المياثر والقسي، وقد ذكرنا في كل واحد من هذه المواضع بما فيه الكفاية.
قوله: (وإفشاء السلام)، يدل على عموم التسليم، ولكن اختلف في مشروعية السلام على الفاسق وعلى الصبي، وفي سلام الرجل على المرأة وعكسه. وقال النووي: ويستثنى من العموم بابتداء السلام من كان مشتغلا بأكل أو شرب أو جماع، أو كان في الخلاء أو الحمام أو نائما أو ناعسا أو مصليا أو مؤذنا ما دام ملتبسا بشيء مما ذكر، فلو لم تكن اللقمة في فم الآكل مثلا شرع السلام عليه، ويشرع في المتبايعين وسائر المعاملات، وتقدم في كتاب الطهارة أن الذي في الحمام إن كان عليه إزار يسلم عليه وإلا فلا، ولا يسلم في حال الخطبة فإذا سلم لا يجب الرد لوجوب الإنصات، ولا يسلم الخصم على القاضي، وإذا سلم لا يجب عليه الرد، ولا يسلم على من يلعب بالشطرنج إلا إذا كان قصده التشويش عليهم، وفي القنية لا يسلم المتفقة على أستاذه ولو سلم لا يجب رده. قلت: فيه نظر ولا يسلم على الشيخ الممازح أو الكذاب أو اللاغي ومن يسب الناس وينظر في وجوه النسوان في الأسواق ولا يعرف توبتهم، ولا يسلم على المبتدع ولا من اقترف ذنبا عظيما ولم يتب منه، ولا يرد عليه السلام. وقال ابن عمر: لا تسلموا على شربة الخمر، والصحيح أن هذا عن عبد الله بن عمرو بالواو، ولا يسلم على الظلمة إلا إذا اضطر إليه. وقال ابن العربي: يسلم وينوي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، المعنى: الله رقيب عليكم، وإذا مر على واحد أو أكثر وغلب على ظنه أنه إذا سلم عليه لا يرده إما لتكبر وإما لإهمال وإما لغير ذلك فينبغي أن يسلم ولا يتركه لهذا الظن فقد يخطئ الظن، وإن سلم على رجل ظنه مسلما فإذا هو كافر استحب أن يرد سلامه فيقول رد علي سلامي، والمقصود من ذلك أن يوحشه ويظهر له أن ليس بينهما إلفة، وإذا دخل بيتا وليس فيه أحد يسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما يستحب إذا لم يكن في البيت أحد أن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. قوله: (المياثر) جمع ميثرة قال الجوهري: الميثرة السرج غير مهموزة ويجمع على مياثر ومواثر، وقال أبو عبيدة: وأما المياثر الحمر التي جاء فيها النهي فكانت من مراكب الأعاجم من ديباج أو حرير، وقد مر الكلام فيه غير مرة.