عمدة القاري - العيني - ج ٢١ - الصفحة ٢٠٦
التي كان صلى الله عليه وسلم يصلي فيها، ويدور ناقته حيث أدارها تبركا بالاقتداء به وحرصا على اقتفاء آثاره. وفيه: التبسط على الصاحب واستدعاء ما كان عنده من مأكول ومشروب، وتعظيمه بدعائه بكنيته.
5638 حدثنا الحسن بن مدرك قال: حدثني يحيى بن حماد أخبرنا أبو عوانة عن عاصم الأحول، قال: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم. عند أنس بن مالك، وكان قد انصدع فسلسله بفضة. قال: وهو قدح جيد عريض من نضار، قال: قال أنس: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هاذا القدح أكثر من كذا وكذا.
قال: وقال ابن سيرين: إنه كان فيه حلقة من حديد فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة، فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتركه. (انظر الحديث 3109).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو عوانة الوضاح اليشكري.
والحديث قد مرت منه قطعة في أواخر كتاب الجهاد في: باب ما جاء من درع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه، أخرجها عن عبدان عن أبي حمزة عن عاصم عن ابن سيرين عن أنس ابن مالك: أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة، قال عاصم: رأيت القدح وشربت منه.
قوله: (قد انصدع) أي: انشق. قوله: (فسلسله بفضة)، أي: وصل بعضه ببعض، وظاهره أن الذي وصله هو أنس، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ظاهر رواية أبي حمزة المذكورة الآن. قوله: (قال: وهو قدح) القائل هو عاصم الأحول. قوله: (عريض) يعني: ليس بمتطاول، بل طوله أقصر من عمقه. قوله: (من نضار) بضم النون وتخفيف الضاد المعجمة وبالراء. وقال أبو حنيفة بضم النون وكسرها وهو أجود الخشب للآنية ويعمل منه ما رق من الأقداح واتسع وما غلظ، وقال ابن الأعرابي: النضار النبع، وقال أيضا: هو شجر الأثل، والنضار الخالص من كل شيء، وقال ابن سيده: من التبر والخشب. وقال ابن فارس: النضار أثل يكون بالغور، وقيل: إنه من الأثل الطويل المستقيم الغصون، وقال القزاز: العرب تقول: قدح نضار، مضاف إلى هذا الخشب، وإنما سمى الأثل نضارا لأنه ينبت في الجبل، وذكر شمر أن النضار هذه الأقداح الحمر الحبشانية. قوله: (قال: قال أنس) أي: قال عاصم الأحول: قال أنس بن مالك: (لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) وروى مسلم من حديث ثابت عن أنس قال: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدحي هذا الشراب كله: العسل والنبيذ والماء واللبن.
قوله: (قال: وقال ابن سيرين) أي: قال عاصم: وقال محمد بن سيرين، موصول بالإسناد المتقدم. قوله: (أو فضة) شك من الراوي. قوله: (قال أبو طلحة) هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس. قوله: (لا تغيرن) كذا بنون التأكيد في رواية الأكثرين: وفي رواية الكشميهني: لا تغير، بدون نون التأكيد.
وكلام أبي طلحة هذا إن كان سمعه ابن سيرين من أنس وإلا فيكون أرسله عن أبي طلحة لأنه لم يلقه.
وفي الحديث: جواز اتخاذ ضبة الفضة، وكذلك السلسلة والحلقة، ولكن فيه اختلاف. فقال الخطابي: منعه مطلقا جماعة من الصحابة والتابعين، وهو قول مالك والليث، وعن مالك: يجوز من الفضة إذا كان يسيرا، وكرهه الشافعي، وقال أبو حنيفة وأصحابه: فلا بأس إذا اتقى وقت الشرب موضع الفضة، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور، وتحرم ضبة الذهب مطلقا ومنهم من سوى بين ضبتي الفضة والذهب. فإن قلت: روى الدارقطني والحاكم والبيهقي من طريق زكرياء ابن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع عن أبيه عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من شرب في إناء من ذهب أو فضة، أو في إناء فيه شيء من ذلك، فإنما يجر جر في بطنه نار جهنم. قلت: قال أبو الحسن بن القطان: زكرياء وأبوه لا يعرف لهما حال، وقيل: الحديث معلول بإبراهيم، فإنه مجهول وكذا ولده وروى الطبراني في (الأوسط) من حديث أم عطية: أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن لبس الذهب وتفضيض الأقداح، ثم رخص في تفضيض الأقداح، وهو حجة على الشافعي.
31 ((باب شرب البركة والماء المبارك)) أي: هذا باب في بيان شرب البركة، وأراد بالبركة الماء، وأطلق عليه هذا الاسم لأن العرب تسمي الشيء المبارك فيه: بركة،
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»