عمدة القاري - العيني - ج ٢١ - الصفحة ٢٠٣
وكسر الجيم الثانية من الجرجرة، وهو صوت يردده البعير في حنجرته إذا هاج نحو صوت اللجام في فك الفرس، والمعنى يصوت في بطنه نار جهنم، وقال الداودي: يتجرع نار جهنم، وقال النووي: اتفقوا على كسر الجيم الثانية من يجرجر، قيل: رد عليه بما حكى الموفق بن حمزة الفتح في كلامه على المهذب، وجوز ابن مالك كون: يجرجر على البناء للفاعل والمفعول، ورد عليه بأن أحدا من الحفاظ قديما وحديثا لم يرو على البناء للمفعول، مع أن الأصل إسناد الفعل إلى الفاعل. قوله: (نار جهنم) قال الطيبي: اختلفوا في نار جهنم بالنصب أم بالرفع، والصحيح المشهور النصب، ورجحه الزجاج والخطابي والأكثرون، ويؤيده الرواية الثانية. قلت: أراد به ما رواه مسلم بلفظ، فإنما يجرجر في بطنه نارا من جهنم، وقال الزمخشري: الأكثر النصب، والشارب هو الفاعل، والنار مفعوله. يقال: جرجر فلان الماء إذا جرعه جرعا متواترا صوت، فالمعنى: كأنما يجرع نار جهنم، وأما الرفع فمجاز لأن جهنم على الحقيقة لا تجرجر في جوفه، ولكنه جعل صوت تجرع الإنسان للماء في هذه الأواني المخصوصة لوقوع النهي عنها واستحقاق العقاب على استعمالها كجرجرة نار جهنم في بطنه بطريق المجاز، وأجاز الأزهري النصب على أن الفعل عدى إليه وابن السيد الرفع على أنه خبر: أن، واسمها: ما، الموصولة. قال: ومن نصب جعل: ما، زائدة كافة لأن عن العمل وهو نحو: * (إنما صنعوا كيد ساحر) * (طه: 69). فقرىء يرفع: كيد، ونصبه قيل: ويدفعه أنه لم يقع في شيء من النسخ بفصل: ما، من: إن قلت: عدم وقوعه بالفصل لا يدفع ما قاله، فافهم.
5635 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن الأشعث بن سليم عن معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء بن عازب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بسبع ونهانا عن سبع، أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس وإجابة الداعي وإفشاء السلام ونصر المظلوم وإبرار المقسم، ونهانا عن خواتيم الذهب وعن الشرب في الفضة أو قال: آنية الفضة وعن المياثر والقسي وعن لبس الحرير والديباج والإستبرق.
مطابقته للترجمة في قوله: (أو آنية الفضة). وأبو عوانة بفتح العين المهملة وبالنون بعد الألف، اسمه الوضاح اليشكري، والأشعث بالشين المعجمة ثم بالعين المهملة ثم بالثاء المثلثة ابن سليم مصغر السلم، وسويد مصغر السود ومقرن اسم فاعل من التقرين.
والحديث قد مضى في أوائيل الجنائز في: باب الأمر باتباع الجنائز، فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة عن الأشعث... إلى آخره، ومضى الكلام فيه.
قوله: (وتشميت العاطس). بالشين المعجمة والمهملة، وهو قولك للعاطس: يرحمك الله، وهو سنة على الكفاية. قوله: (وإفشاء السلام) من أفشى كلامه إذا أذاعه ونشره بين الناس، وذكر في كتاب الجنازة: ورد السلام، وهنا قال: وإفشاء السلام، لأن المقصود من السلام ما يجري بين المسلمين عند الملاقاة مما يدل على الدعاء لأخيه المسلم، وإرادة الخير له ثم لا شك أن بعض هذه الأمور سنة وبعضها فريضة، فالرد من الواجبات والإفشاء من السنن، فصح الاعتباران، وإنما جاز إرادة الفريضة والسنة بإطلاق واحد وهو لفظ: أمرنا، باعتبار عموم المجاز عند الحنفية وجواز إرادة الحقيقة والمجاز كليهما من لفظ واحد عند الشافعية. قوله: (وإبرار المقسم) بضم الميم وسكون القاف وكسر السين وهو أن يفعل ما سأله الملتمس. قوله: (وخواتيم الذهب) قال الجوهري: الخاتم والخاتم بكسر التاء والخيتام والخاتام كله بمعنى الجمع والخواتيم. قوله: (أو قال: آنية الفضة) شك من الراوي. قوله: (والمياثر) جمع الميثرة بكسر الميم من الوثارة بالمثلثة يعني: اللين، وهي وطاء كانت النساء تصنعه لأزواجهن على السروج وأكثرها من الحرير، وقيل: هي من الأرجوان الأحمر، وقيل: هي جلود السباع. وقال أبو عبيدة: المياثر الحمر كانت من مراكب الأعاجم من ديباج أو حرير، وقال ابن التين، وهذا أبين لأن الأرجوان لم يأت فيه تحريم ولا في جلود السباع إذا ذكيت. قوله: (وعن القسي) بفتح القاف وتشديد السين المهملة المكسورة، قال الكرماني: القسي منسوب إلى بلد بالشام: ثوب مضلع بالحرير. قلت: ليس كذلك، وإنما القسي ثياب من كتان مخلوط بحرير يؤتى بها من مصر، نسبت إلى قرية على ساحل البحر قريبا من تنيس يقال لها: القس، بفتح القاف، وبعض أهل الحديث يكسرها
(٢٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»