عمدة القاري - العيني - ج ٢١ - الصفحة ٢٠٤
كذا قاله ابن الأثير. قلت: القس وتنيس والفرماء كلها كانت بلادا على ساحل البحر بالقرب من دمياط، وقد خربت واندرست، وقيل: أصل القسي القزي بالزاي منسوب إلى القز وهو ضرب من الإبريسم، فأبدل من الزاي سين، وقيل: منسوب إلى القس، وهو الصقيع لبياضه. قوله: (والديباج) قد مر تفسيره، (والإستبرق) ضرب من الديباج غليظ، قيل: وفيه ذهب وهو فارسي معرب أصله: استبره، والمعروف أن الإستبرق غليظ الديباج، وقال الداودي: رقيقه.
29 ((باب الشرب في الأقداح)) أي: هذا باب في بيان جواز الشرب في الأقداح وهو جمع قدح، وقال في (المغرب): القدح بفتحتين الذي يشرب به، وقال بعضهم: لعله أشار إلى أن الشرب فيها وإن كان من شعار الفسقه لكن ذلك بالنظر إلى المشروب وإلى الهيئة الخاصة. قلت: هذا كلام غير مستقيم، وكيف يقول: إن الشرب فيها من شعائر الفسقة وقد وضع البخاري عقيب هذا: باب الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم؟ وذكر فيه أن للنبي صلى الله عليه وسلم، قدحا كان عند أنس، على ما يأتي الآن، وذكروا أيضا أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم، قدح يقال له: الريان، وآخر يقال له: المغيث، وآخر مضبب بثلاث ضبات من فضة، وقيل: من حديد، وفيه حلقة يعلق بها أصغر من المد وأكثر من نصف المد. وعن عاصم قال: رأيت عند أنس قدح النبي صلى الله عليه وسلم، فيه ضبة من فضة، رواه الإمام أحمد، وفي رواية البيهقي: وكان قد انصدع فسلسله من فضة، قال: وهو قدح عريض من نضار، والقدح الذي يشرب به الفسقة معلوم بين الناس أنه من زجاج ومن بلور ومن فضة ونحوها، وكانت أقداح النبي صلى الله عليه وسلم كلها من جنس الخشب، فإن قلت: روى البزار من حديث ابن عباس أن المقوقس أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدح قوارير فكان يشرب منه؟ قلت: هذا حديث ضعيف، ولئن سلمنا صحته فنقول: لم يكن شرب النبي صلى الله عليه وسلم منه مثل شرب غيره من المترفين، ولا شرابه مثل شرابهم.
5636 حدثني عمرو بن عباس حدثنا عبد الرحمان حدثنا سفيان عن سالم أبي النضر عن عمير مولى أم الفضل عن أم الفضل: أنهم شكوا في صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فبعث إليه بقدح من لبن فشربه.
مطابقته للترجمة في قوله: (فشربه) وعمر وبفتح العين ابن عباس بفتح العين المهملة وتشديد الباء البصري، و عبد الرحمن هو ابن مهدي، و سفيان هو الثوري: والحديث مضى عن قريب في: باب من شرب وهو واقف على بعيره.
30 ((باب الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم وآنيته)) أي: هذا باب في بيان شرب جماعة من قدح النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (وآنيته) أي: والشرب من آنية النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من عطف العام على الخاص لأن الآنية أعم من أن تكون قدحا أو قصعة أو مخضبا أو طشتا أو نحو ذلك، وقيل: أراد البخاري بهذه الترجمة دفع توهم من يقع في خياله أن الشرب في قدح النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته تصرف في ملك الغير بغير إذن، فبين أن السلف كانوا يفعلون ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث وما تركه فهو صدقة، ولا يقال: إن الأغنياء كانوا يفعلون ذلك، والصدقة لا تحل للغني لأن الجواب: أن الممتنع على الأغنياء من الصدقة هو المفروض منها، وهذا ليس من الصدقة المفروضة. قلت: الأحسن أن يقال: إنما كانوا يشربون من قدح النبي صلى الله عليه وسلم، لأجل التبرك به، أما في حياته فلا نزاع فيه، وأما بعد موته فكذلك للتبرك به، ولا يقال: إن من كان عنده شيء من ذلك أنه استولى عليه بغير وجه شرعي، ألا ترى أنه كان عند أنس قدح، وعند سهل قدح، وعند عبد الله بن سلام آخر؟ وكانت جبته عند أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنهما، ولا يقال: إنهم حازوا هذه الأشياء بغير وجه شرعي.
* (وقال أبو بردة: قال لي عبد الله بن سلام: ألا أسقيك في قدح شرب النبي صلى الله عليه وسلم فيه؟) *.
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»