وسكون الهاء وفتح الياء آخر الحروف، وفي آخره ميم: أي: ما حالك وما شأنك؟ قوله: (فما سقت) أي: إليها، ويروي هكذا. قوله: (وزن نواة من ذهب) وهو اسم لخمسة دراهم، أي: مقدار خمسة دراهم وزنا من الذهب، وبقية الكلام قد مرت هناك.
8 ((باب ما يكره من التبتل والخصاء)) أي: هذا باب في بيان ما يكره من التبتل وأصله الانقطاع من قولهم تبتلت الشيء اتبتله من باب ضرب يضرب إذا قطعته، والمراد بالتبتل المنهي عنه في الحديث الانقطاع عن النساء وترك التزويج، وأما معنى قوله تعالى: * (وتبتل إليه تبتيلا) * (المزمل: 8) فالمراد به الانقطاع إليه والتعبد لا ترك التزويج فإنه لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، بل قال ابن عباس: خير هذه الأمة أكثرها نساء، ويريد به النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرناه. قوله: (والخصاء) بكسر الخاء وبالمد: مصدر خصيت الفحل، إذا سللت خصيتيه، والرجل خصي والجمع خصيان وخصية.
3705 حدثنا أحمد بن يونس حدثنا إبراهيم بن سعد أخبرنا ابن شهاب سمع بن سعيد بن المسيب يقول: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم، على عثمان ابن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأحمد بن يونس هو أبو عبد الله التيمي اليربوعي الكوفي، وهو شيخ مسلم أيضا، وإبراهيم بن سعد بن عبد لرحمن بن عوف، كان بن علي قضاء بغداد، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
والحديث أخرجه مسلم أيضا في النكاح عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه الترمذي فيه عن الحسن بن علي الحلال. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبيد. وأخرجه ابن ماجة فيه عن أبي مروان محمد بن عثمان العثماني.
قوله: (رد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، بن علي عثمان بن مظعون التبتل) أي: لم يأذن له فيه حين استأذن في ذلك، ويقال: معنى: رد، نهي عن التبتل وقد ذكرنا معناه الآن. قوله: (ولو أذن له) أي: لو أذن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم. لعثمان بن مظعون (لاختصينا) من اختصيت، إذا فعلت ذلك بنفسك. وكان مناسبا أن يقول: أذن له لتبتلنا، فعدل إلى: اختصينا، إرادة المبالغة أي: لو أذن له لبالغنا في التبتل حتى الاختصاء، وكان التبتل من شريعة النصارى فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عنه ليكثر النسل ويدوم الجهاد.
وقال القرطبي يقال: يلزم من جواز التبتل عن النساء جواز الخصاء، وهو قطع عضوين بهما قوام النسل، وفيه ألم عظيم لأنه ربما يفضي إلى الهلاك. وهو محرم بالاتفاق، ثم أجاب بأن ذلك لازم من حيث إن مطلق التبتل يتضمنه، فكأن هذا القائل ظن أن التبتل الحقيقي الذي يؤمن معه شهوة النساء وهو الخصاء، وأخذ بأكثر ما يقع عليه الاسم، وقوله: فيه ألم عظيم، مسلم لكن يصغر في جنب صيانة الدين، كقطع اليد للأكلة والكي والبط ونحوها. وقوله: ربما يفضي إلى الهلاك، غير مسلم لأن وقوع الهلاك منه نادر، وخصاء الحيوان يشهد لذلك. وأجاب النووي عن ذلك بأن معناه: لو أذن في الانقطاع عن النساء وغيرهن من ملاذ الدنيا لاختصينا لدفع شهوة النساء لتمكننا من التبتل، قال: وهذا محمول بن علي أنهم كانوا يظنون جواز الاختصاء باجتهادهم ولم يكن ظنهم هذا موافقا، فإن الاختصاء في الآدمي حرام مطلقا. وقال شيخنا زين الدين، رحمه الله: وفي كل من جوابي القرطبي والنووي نظر، بل الجواب الصحيح أنه: لو وقع إذن من النبي صلى الله عليه وسلم فيما سأله عنه عثمان بن مظعون من التبتل لجاز لهم الاختصاء، لأن استئذان عثمان في التبتل كانت صورته استئذانا في الاختصاء كما هو مبين في حديث عائشة بنت قدامة بن مظعون عن أبيها عن أخيه عثمان بن مظعون، أنه قال: يا رسول الله! إنه ليشق علينا العزبة في المغازي، أفتأذن لي يا رسول الله في الخصاء فأختصى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ولكن عليك يا ابن مظعون بالصيام فإنه مجفر) ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب وذكر أيضا أن عثمان بن مظعون وعليا وأبا ذر هموا أن يختصوا ويبتلوا فنهاهم رسول الله صلى الله عليه تعالى وسلم، عن ذلك. ونزلت فيهم: * (ليس بن علي الذين آمنوا وعلموا الصالحات جناح فيما طعموا) * (المائدة: 39) الآية. وأخرج الطبراني من حديث عثمان بن مظعون نفسه أنه قال: يا رسول الله! إني رجل يشق علي العزوبة فاذن لي في الخصاء، قال: لا ولكن عليك بالصيام.