عمدة القاري - العيني - ج ١٨ - الصفحة ٢٨١
عليه ما عنتم حريص عليكم) * (التوبة: 128) إلى آخرها وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما..
مطابقته للترجمة في قوله: * (لقد جاءكم رسول) * إلى آخر الآيتين. وأبو اليمان الحكم بن نافع، وابن السباق، بفتح السين المهملة وتشديد الباء الموحدة: وهو عبيد حجازي.
والحديث أخرجه الترمذي في التفسير عن بندار. وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عن الهيثم بن أيوب.
قوله: (مقتل أهل اليمامة)، أي: أيام مقاتلة الصحابة رضي الله عنهم، مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة وكان مقتلهم سنة إحدى عشرة من الهجرة، واليمامة بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف الميم مدينة باليمن وسميت باسم المصلوبة على بابها وهي التي كانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيام وتعرف بالزرقاء لزرقة عينها واسمها عنزة، وقال البكري: كان اسم اليمامة في الجاهلية: جو، بفتح الجيم وتشديد الواو حتى سماها الملك الحميري لما قتل المرأة التي تسمى اليمامة باسمها، وقال الملك الحميري:
* وقلنا فسموا اليمامة باسمها * وسرنا وقلنا لا نريد الإقامة * وزعم عياض أنها تسمى أيضا: العروض، بفتح العين المهملة، وقال البكري: العروض اسم لمكة والمدينة معروف. قوله: (قد استحر)، أي: اشتد وكثر على وزن استفعل من الحر، وذلك أن المكروه يضاف إلى الحر والمحبوب يضاف إلى البرد ومنه المثل: تولى حارها من تولى قارها، وقتل بها من المسلمين ألف ومائة، وقيل: ألف وأربعمائة منهم سبعون جمعوا القرآن. قوله: (في المواطن) أي: المواضع التي سيغزو فيها المسلمون ويقتل ناس من القراء فيذهب كثير من القرآن. قوله: (كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم)، قال ابن الجوزي: هذا كلام من يؤثر الاتباع ويخشى الابتداع، وإنما لم يجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان بمعرض أن ينسخ منه أو يزاد فيه، فلو جمعه لكتب وكان الذي عنده نقصان ينكر على من عنده الزيادة، فلما أمن هذا الأمر بموته صلى الله عليه وسلم جمعه أبو بكر رضي الله عنه، ولم يصنع عثمان في القرآن شيئا، وإنما أخذ الصحف التي وضعها عند حفصة رضي الله عنها. وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن الحارث بن هشام وسعيد بن العاص وأبي بن كعب في اثني عشر رجلا من قريش والأنصار فكتب منها مصاحف وسيرها إلى الأمصار لأن حذيفة أخبره بالاختلاف في ذلك، فلما توفيت حفصة أخذ مروان بن الحكم تلك الصحف فغسلها، وقال: أخشى أن يخالف بعض القرآن بعضا، وفي لفظ: أخاف أن يكون فيه شيء يخالف ما نسخ عثمان، وإنما فعل عثمان هذا ولم يفعله الصديق رضي الله عنه، لأن غرض أبي بكر كان جمع القرآن بجميع حروفه ووجوهه التي نزل بها وهي على لغة قريش وغيرها، وكان غرض عثمان تجريد لغة قريش من تلك القراءات، وقد جاء ذلك مصرحا به في قول عثمان لهؤلاء الكتاب، فجمع أبو بكر غير جمع عثمان، فإن قيل: فما قصد عثمان بإحضار الصحف وقد كان زيد ومن أضيف إليه حفظوه؟. قيل: الغرض بذلك سد باب المقالة وأن يزعم أن في الصحف قرآنا لم يكتب ولئلا يرى إنسان فيما كتبوه شيئا مما لم يقرأ به فينكره، فالصحف شاهدة بجميع ما كتبوه. قوله: (هو والله خير)، يحتمل أن يكون لفظ: خير، أفعل التفضيل. فإن قلت: كيف ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو خير؟ قلت: هذا خير في هذا الزمان وكان تركه خيرا في زمانه صلى الله عليه وسلم لعدم تمام النزول واحتمال النسخ كما أشرنا إليه عن قريب. قوله: (إنك رجل شاب)، يخاطب به أبو بكر زيد بن ثابت رضي الله عنهما، وإنما قال: شاب، لأن عمره كان إحدى عشرة سنة حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وخطاب أبي بكر إياه بذلك في خلافته، فإذا اعتبرت هذا يكون عمره حئنذ ما دون خمس وعشرين سنة، وهي أيام الشباب. قوله: (لا تتهمك)، دل على عدم اتهامه به. قوله: (كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، وكتابته الوحي تدل على أمانته الغاية، وكيف وكان من فضلاء الصحابة ومن أصحاب الفتوى؟ قوله: (فتتبع) أمر، و (القرآن) منصوب. قوله: (فوالله لو كلفني)، من كلام زيد، يحلف بالله أن أبا بكر لو كلفه كذا وكذا. قوله: (ما كان أثقل) جواب: لو قوله: (فتتبعت القرآن)، قيل: إن زيدا كان جامعا
(٢٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 ... » »»