للقرآن فما معنى هذا التتبع والطلب لشيء إنما هو ليحفظه ويعلمه، أجيب: أنه كان يتتبع وجوهه وقراءاته ويسأل عنهما غيره ليحيط بالأحرف السبعة التي نزل بها الكتاب العزيز، ويعلم القراءات التي هي غير قراءته. قوله: (أجمعه) حال من الأحوال المقدرة المنتظرة. قوله: (من الرقاع)، بكسر الراء: جمع رقعة يكون من ورق ومن جلد ونحوهما. قوله: (والأكتاف)، جمع كتف وهو عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان ينشف ويكتب فيه. قوله: (والعسب)، بضم العين والسين المهملتين: جميع عسيب وهو جريد النخل العريض منه وكانوا يكشطون خوصها ويتخذونها عصا وكانوا يكتبون في طرفها العريض، وقال ابن فارس: عسيب النخل كالقضبان لغيره، وذكر في التفسير: اللخاف، بالخاء المعجمة وهي حجارة بيض رقاق واحدها لخفة. وقال الأصمعي: فيها عرض ودقة، وقيل: الخزف. قوله: (مع خزيمة الأنصاري)، وهو خزيمة بن ثابت بن الفاكه الأنصاري الخطمي ذو الشهادتين، شهد صفين مع علي رضي الله عنه، وقتل يومئذ سنة سبع وثلاثين. قوله: (لم أجدهما مع أحد غير خزيمة)، فإن قيل: كيف ألحق هاتين الآيتين بالقرآن وشرطه أن يثبت بالتواتر؟ قيل له: معناه: لم أجدهما مكتوبتين عند غيره، أو المراد: لم أجدهما محفوظتين، ووجهه أن المقصود من التواتر إفادة اليقين، والخبر الواحد المحفوف بالقرائن يفيد أيضا اليقين، وكان ههنا قرائن مثل كونهما مكتوبتين ونحوهما وأن مثله لا يقدر في مثله بمحضر الصحابة أن يقول إلا حقا وصدقا. قلت: إن خزيمة أذكرهم ما نسوه ولهذا قال زيد: وجدتهما مع خزيمة، يعني مكتوبتين ولم يقل: عرفني أنهما من القرآن، مع تصريح زيد بأنه سمعهما من النبي صلى الله عليه وسلم، أو نقول: ثبت أن خزيمة شهادته بشهادتين فإذا شهد في هذا وحده كان كافيا. قوله: (لقد جاءكم) إلى آخر بيان الآيتين.
تابعه عثمان بن عمر والليث عن يونس عن ابن شهاب أي: تابع شعيبا في روايته عن الزهري عثمان بن عمر بن فارس البصري العبدي والليث بن سعيد البصري كلاهما عن يونس بن يزيد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وروى متابعة عثمان أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث عن محمد ابن يحيى عن عثمان بن عمر عن يونس عن الزهري فذكره، وأما متابعة الليث عن يونس فرواها البخاري في فضائل القرآن وفي التوحيد.
وقال الليث: حدثني عبد الرحمان بن خالد عن ابن شهاب وقال مع أبي خزيمة الأنصاري أشار بهذا إلى أن الليث رحمه الله، له فيه شيخ آخر عن ابن شهاب، وأنه رواه عنه بإسناده المذكور ولكنه خالف في قوله: مع خزيمة الأنصاري، فقال: (أبي خزيمة) ورواية الليث هذه وصلها أبو القاسم البغوي في (معجم الصحابة) من طريق أبي صالح كاتب الليث عنه به، وقال أبو الفرج: قوله: أبو خزيمة، وهم ورد عليه بصحة الطريق إليه ولاحتمال أن يكونا سمعاها كلاهما. قلت: أبو خزيمة هذا هو ابن أوس بن زيد بن أصرم بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، شهد بدرا وما بعدها من المشاهد وتوفي في خلافة عثمان وهو أخو مسعود بن أوس، وقال أبو عمر: قال ابن شهاب عن عبيدا السباق عن زيد بن ثابت: وجدت آخر التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري.
وقال موساى عن إبراهيم حدثنا ابن شهاب مع أبي خزيمة بسم الله الرحمن الرحيم أي: قال موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب، قال: مع أبي خزيمة، وهذا التعليق وصله البخاري في فضائل القرآن، وفي (التلويح): هذا التعليق رواه البخاري مسندا في كتاب الأحكام في (صحيحه).
وتابعه يعقوب بن إبراهيم عن أبيه أي: تابع موسى في روايته عن إبراهيم بن يعقوب بن إبراهيم المذكور عن أبيه إبراهيم، ووصل هذه المتابعة في أبي خزيمة أبو بكر بن أبي داود في كتاب (المصاحف) من طريقه.