عمدة القاري - العيني - ج ١٨ - الصفحة ٢٥٩
مبالغة في التطهير وزيادة فيه أو بمعنى الإنماء والبركة. قوله: (ونحوها كثيرون) وفي بعض النسخ. ونحو هذا كثير، وهذه أحسن، وكأنه أشار بهذا إلى أن اللفظين المختلفين في المادة ومتفقين في المعنى كثير في لغات العرب. وذلك لأن الزكاة والتزكية في اللغة الطهارة، ولهذا قال الزمخشري: والتزكية مبالغة في التطهير، وهذا يشير إلى أن معنى التزكية التطهير. ولكن فيه زيادة وتجيء التزكية أيضا بمعنى النماء والبركة والمدح، وكل ذلك قد استعمل في القرآن، وعجبي من الشراح كيف أهملوا تحرير مثل هذا ونظائره. قوله: (والزكاة الطاعة)، يعني: تأتي بمعنى الطاعة وبمعنى الإخلاص، وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، في قوله: (تطهرهم وتزكيهم بها) قال: الزكاة طاعة الله والإخلاص.
لا يؤتون الزكاة لا يشهدون أن لا إلاه إلا الله أشار به إلى قوله تعالى: * (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة) * (فصلت: 7) ولكن هذه الآية من سورة فصلت ذكرها هنا استطرادا وفسرها بقوله: لا يشهدون أن لا إلاه إلا الله وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه فسرها هكذا.
يضاهون يشبهون أشار به إلى قوله تعالى: * (ذلك قولهم بأفواههم يضاهون قول الذين كفروا من قبل) * (التوبة: 30) وفسر: يضاهون، بقوله: يشبهون، وكذا فسره ابن عباس فيما رواه عنه علي بن أبي طلحة، وهو من المضاهاة. وقال أبو عبيدة: هي التشبيه، وهذا إخبار من الله تعالى عن قول اليهود: عزيرا ابن الله، والنصارى المسيح ابن الله، فأكذبهم بقوله ذلك قولهم: بأفواههم، يعني لا مستند لهم فيما ادعوه سوى افترائهم واختلافهم يضاهون أي: يشابهون قول الذين كفروا من قبلهم من الأمم ضلوا كما ضل هؤلاء قاتلهم الله. قال ابن عباس: لعنهم الله.
4654 ح دثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت البراء رضي الله عنه يقول آخر آية نزلت: * (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) * (النساء: 176) وآخر سورة نزلت براءة.
مطابقته للترجمة في آخر الحديث. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي والبراء بن عازب.
والحديث مضى في آخر سورة النساء فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن شعبة عن أبي إسحاق: سمعت البراء قال: آخر سورة نزلت براءة وآخر آية نزلت: يستفتونك، ومضى الكلام فيه هناك، وقد تقدم في تفسير سورة البقرة عن ابن عباس أن آخر آية نزلت آية الربا وقيل: * (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) * (البقرة: 281) بعدها وقال الداودي: لم يختلفوا في أن أول براءة نزلت سنة تسع لما حج أبو بكر الصديق بالناس وأنزلت: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * (المائدة: 3) عام حجة الوداع فكيف تكون براءة آخر سورة أنزلت؟ ولعل البراء أراد بعض سورة براءة. قلت: المراد الآخرية المخصوصة لأن الأولية والآخرية من الأمور النسبية، والمراد بالسورة بعضها أو معظمها، ولا شك أن غالبها نزل في غزوة تبوك وهي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: ويجمع بين حديثي البراء وابن عباس بأنهما لم ينقلاه وإنما ذكراه عن اجتهاد قلت: لا محل للاجتهاد في مثل ذلك على ما لا يخفى على المتأمل.
2 ((باب قوله: * (فسيحوا في الأرضي أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزى الكافرين) * (التوبة: 2)) أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (فسيحوا في الأرض) * الآية وقد مر الكلام في * (أربعة أشهر) * عن قريب. قوله: (غير معجزي الله)، أي: غير سابقي الله بأعمالكم. قوله: (وأن الله)، أي: واعلموا أن الله مخزي (الكافرين) أي مذلهم، ويقال: معذب الكافرين في الدنيا بالقتل، وفي الآخرة بالنار.
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 258 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»