عمدة القاري - العيني - ج ١٨ - الصفحة ٢٥٨
وإن كان جمع الذكور فإنه لم يوجد على تقدير جمعه إلا حرفان فارس وفوارس وهالك وهوالك.
فيه نظر من وجهين: أحدهما: أن المفهوم من صدر كلامه أن خوالف جمع خالف وهنا ذكره بالشك أنه إذا كان خوالف جمع المذكر فإنه لم يوجد إلى آخره. والآخر: في ادعائه أن لفظ فاعل لا يجمع على فواعل إلا في لفظين: أحدهما: فارس، فإنه يجمع على فوارس. والآخر: هالك فإنه يجمع على هوالك، وقد ذكرنا ألفاظا غيرهما أنها على وزن فاعل قد جمعت على فواعل ولم أر أحدا من الشراح حرر هذا الموضع كما هو حقه، وقد حررناه فلله الحمد.
الخيرات واحدها خيرة وهي الفواضل أشار به إلى قوله تعالى: * (وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون) * وذكر أن واحدة الخيرات خيرة. ثم فسر الخيرات بالفواضل وفي التفسير: أولئك لهم الخيرات. أي: في الدار الآخرة في جنات الفردوس والدرجات العلى.
مرجؤون مؤخرون لم يثبت هذا في رواية أبي ذر، وأشار به إلى قوله تعالى: (وآخرون مرجؤون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم)، (التوبة: 106) وفسر مرجؤون، بقوله: مؤخرون أي: يؤخرون لأمر الله ليقضي الله فيهم ما هو قاض، ومرجؤون من أرجأت الأمر وأرجيته بهمز وبغيره وكلاهما بمعنى التأخير، ومنه المرجئة. وهم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة. أي: آخره عنهم، والمرجئة بهمز ولا تهمز، فالنسبة من الأول مرجىء ومن الثاني مرجي، والمراد من قوله تعالى: * (وآخرون مرجؤون) * الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك، وهم: مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال بن أمية قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد كسلا وميلا إلى الدعة والخفض وطيب الثمار والظلال، لا شكا ونفاقا قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وآخرون.
الشفاشفي وهو حده أشار به إلى قوله تعالى: * (أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار) * (التوبة: 109) فسر الشفا بقوله شفير، ثم قال: وهو حده أي: طرفه، وفي رواية الكشميهني وهو حرفه.
والجرف ما تجرف من السيول والأودية هار هائر أشار به إلى قوله تعالى: * (شفا جرف هار) * (التوبة: 109) ثم فسره الجرف بقوله: ما تجرف من السيول وهو الذي ينحفر بالماء فيبقى واهيا، وفسر قوله: هار، بقوله: هائر، يقال: تهورت البئر إذا انهدمت وانهار مثله، وفيه إشارة أيضا إلى أن لفظ: هار، مقلوب من هائر ومعلول إعلال قاض، وقيل: لا حاجة إليه بل أصله: هور وألفه ليست بألف فاعل وإنما هي عينه وهو بمعنى: ساقط.
لأواه شفقا وفرقا أشار به إلى قوله تعالى: * (إن إبراهيم لأواه حليم) * (التوبة: 114) والأواه المتأوه المتضرع، وهو على وزن فعال، بالتشديد، وقال سفيان وغير واحد. عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود أنه قال: الأواه الدعاء، وروى ابن أبي حاتم من حديث ابن المبارك عن عبد الحميد بن بهرام، قال: الأواه المتضرع الدعاء، وعن مجاهد وأبي ميسرة عمرو بن شرحبيل والحسن البصري وقتادة أنه الرحيم أي: لعباد الله، وعن عكرمة عن ابن عباس، قال: الأواه الموقن بلسان الحبشة ، وكذا قال الضحاك، وقال علي بن أبي طلحة ومجاهد عن ابن عباس، الأواه المؤمن التواب، وقال سعيد بن جبير والشعبي: الأواه المسبح، وقال شفي ابن مانع عن أبي أيوب: الأواه الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها، وروى ابن جرير بإسناده إلى عطاء عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم، دفن ميتا فقال: رحمك الله إن كنت لأواها يعني: تلاء للقرآن. قوله: (شفقا) أي: لأجل الشفقة ولأجل الفرق، وهو الخوف، وهذا كان في إبراهيم، عليه السلام، لأنه كان حليما عمن ظلمه وخائفا من عظمة الله تعالى ومن كثرة حلمه وشدته أنه استغفر لأبيه مع شدة أذاه له في قوله: * (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا) * (مريم: 46).
وقال الشاعر:
* إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين * كأنه يحتج بهذا البيت على أن لفظ: أواه، على وزن فعال من التأوه، وقال الجوهري: أوه الرجل تأويها وتأوه تأوها إذا قال: أوه، والاسم منه الآهة بالمد. ثم قال: قال المثقب العبدي: إذا ما قمت إلى آخره، ويروى أهة، تشديد الهاء من قولهم: أه أي توجع. قلت: فلذلك قال أكثر الرواة آهة بالمد والتخفيف، وروى الأصيلي: أهة بلا مد وتشديد الهاء، وقد نسب الجوهري البيت المذكور إلى المثقب العبدي، بتشديد القاف المفتوحة، وزعم بعضهم بكسر القاف، والأول أشهر وسمي المثقب بقوله:
* أرين محاسنا وكنن أخرى * وثقبن الوصاوص للعيون * قوله: كنن أي: سترن، والوصاوص، جمع وصواص وهو البرقع الصغير، وهكذا فسره الجوهري ثم أنشد هذا البيت، واسم المثقب، جحاش عائذ بن محصن بن ثعلبة بن وائلة بن عدي بن زهر بن منبه بن بكرة بن لكز بن أفصى بن عبد القيس، قال المرزباني: وقيل: اسمه شاس بن عائذ بن محصن، وقال أبو عبيدة وأبو هفان اسمه شاس ابن نهار، والبيت المذكور من قصيدة من المتواتر وهي طويلة وأولها قوله:
* أفاطم قبل بينك متعبني * ومنعك ما سألت كأن تبيني * * فلا تعدي مواعد كاذبات * تمر بها رياح الصيف دوني * * فإني لو تخالفني شمالي * لما اتبعتها أبدا يميني * * إذا لقطعتها ولقلت: بيني * لذلك اجتوى من يجتويني * إلى أن قال:
* فسل الهم عنك بذات لوث * عذافرة كمطرقة القيون * * إذا ما قمت أرحلها بليل * تأوه آهة الرجل الحزين * * تقول: إذا درأت لها وضيني * أهذا دينه أبدا وديني * * أكل الدهر حل وارتحال * فما يبقى علي ولا يقيني * ومن حكمها:
* فإما أن تكون أخي بصدق * فأعرف منك غثي من سميني * * وإلا فاطرحني واتخذني * عدوا أتقيك وتتقيني * * فما أدري إذا يممت أرضا * أريد الخير أيهما يليني * * آلخير الذي أنا أبتغيه * أم الشر الذي هو يبتغيني * قوله: (أفاطم)، بفتح الميم وضمها، منادى مرخم. قوله: (بينك)، أي: قبل قطعك. قوله: (اجتوى)، من الجوى، وهو: المرض وداء البطن إذا تطاول. قوله: (ذات لوث)، بضم اللام، يقال ناقة لوثة أي: كثيرة اللحم والشحم. قوله: (عذافرة)، بضم العين المهملة وتخفيف الذال المعجمة وكسر الفاء وفتح الراء يقال: ناقة عذافرة، أي: عظيمة وقال الجوهري: يقال جمل عذافر وهو العظيم الشديد. قوله: (كمطرقة القيون)، وهو جمع قين، وهو الحداد. قوله: (أرحلها) من رحلت الناقة أرحلها رحلا إذا شددت الرحل على ظهرها، والرحل أصغر من القتب. قوله: (وضيني) بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالنون، وهو الهودج بمنزلة البطان للقتب قوله: (حل) أي: حلول الحل، والحلول والمحل مصادر من حل بالمكان، والمعنى: أكل الزمان موضع الحلول وموضع الارتحال؟ قوله: (لا يقيني) أي: لا يحفظني من وقى يقي وقاية. قوله: (بصدق) ويروي بحق. قوله: (فاعرف) بالنصب أي: فإن أعرف. قوله: (غثى) بالغين المعجمة وتشديد الثاء المثلثة من غث اللحم إذا كان مهزولا والمعنى أعرف منك ما يفسد مما يصلح.
1 ((باب قوله: * (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) * (التوبة: 3)) أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (براءة من الله) * الآية. قال الإمام أبو الليث السمرقندي رحمه الله أي: تبرؤ من الله ورسوله إلى من كان له عهد من المشركين من ذلك العهد، ويقال: هذه الآية براءة، ويقال: هذه السورة براءة، وقال ابن عباس: البراءة نقض العهد إلى الذين عاهدتم من المشركين لأنهم نقضوا عهودهم قبل الأجل فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم، بأن من كان عهده إلى أربعة أشهر أن يقره إلى أن تنقضي أربعة أشهر وقال الثعلبي: ابتداء هذا الأجل يوم الحج الأكبر وانقضاؤه إلى عشر من ربيع الآخر، وقال الزهري: هي شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم لأن هذه الآية نزلت في شوال، وقال مقاتل: نزلت في ثلاثة أحياء من العرب، خزاعة وبني مدلج وبني جزيمة كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عاهدهم بالحديبية لسنتين فجعل الله أجلهم أربعة أشهر ولم يعاهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية أحدا من الناس. وقال النحاس: قول من قال: لم يعاهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية، غير صحيح، والصحيح أنه قد عاهد بعد هذه الآية جماعة منهم أهل نجران، قال الواقدي: عاهدهم وكتب لهم سنة عشر قبل وفاته بيسير.
أذان إعلام أشار به إلى قوله تعالى: * (وأذان من الله ورسوله) * وفسره بقوله: إعلام، وهذا ظاهر.
وقال ابن عباس أذن يصدق أشار به إلى قوله تعالى: * (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) * (التوبة: 461) الآية. أي: ومن المنافقين قوم يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم بالكلام فيه، ويقولون: هو أذن يعني من قال له شيء صدقه من قال فينا بحديث صدقه، وإذا جئنا وحلفنا له صدقنا روى معناه عن ابن عباس ومجاهد وقتادة، وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يقول في قوله: (ويقولون)، هو أذن يعني: هو يسمع من كل أحد.
تطهرهم وتزكيهم بها ونحوها كثير والزكاة الطاعة والإخلاص أشار به إلى قوله تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) * (التوبة: 103) أي: خذ يا محمد، وقال المفسرون: لما تاب الله على أبي لبابة وأصحابه. قالوا يا رسول الله! هذه أموالنا تصدق بها وطهرنا واستغفر لنا فقال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا، فنزلت هذه الآية. وفي الصدقة قولان: أحدهما: التطوع. والآخر: الزكاة، وقال الزمخشري: تطهرهم صفة لصدقة، وقرئ: يطهرهم، من أطهرهم بمعنى: طهرهم، وتطهرهم بالجزم جوابا للأمر والتاء في تطهرهم للخطاب أو لغيبة المؤنث، والتزكية
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 258 258 259 260 261 262 263 ... » »»