عمدة القاري - العيني - ج ١٨ - الصفحة ٢٠٢
السلام، أمر قومه أن يجاهدوا ويدخلوا بيت المقدس الذي كان بأيديهم في زمن أبيهم يعقوب عليه السلام، كما أخبر الله عن ذلك قبل هذه الآية. بقوله: * (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) * (المائدة: 21) الآية، فكان جوابهم (إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها) الآية * (فاذهب أنت وربك) * الآية. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال حدثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن بان عباس. قال: لما نزل موسى عليه السلام، وقومه الأرض المقدسة وجدوا فيها مدينة فيها قوم جبارون خلقهم خلق منكر، بعث اثني عشر رجلا وهم النقباء الذين ذكرهم الله ليأتوا بخبرهم، فلقيهم رجل من الجبارين فجعلهم في كسائه وحملهم حتى أتى بهم المدينة، ونادى في قومه فاجتمعوا إليه ثم قالوا لهم: اذهبوا إلى موسى وقومه فأخبروهم بما رأيتم. فقال لهم موسى عليه السلام: اكتموا هذا فلم يكتم إلا رجلان، يوشع وكالب، وهما المذكوران في قوله عز وجل: * (قال رجلان من الذين يخافون) * (المائدة: 23) الآية. قيل: اسم هذه المدينة أريحا، وقال البكري: يقال لها أيضا: أريح، وفي حديث عكرمة عن ابن عباس: دخل منهم رجلان حائطا لرجل من الجبارين فأخذهما فجعلهما في كمه، وفي (تفسير مقاتل) كان في أريحا ألف قرية في كل قرية ألف بستان، فلما دخلها النقباء خرج إليهم عوج بن عنق فاحتملهم ومتاعهم بيده حتى وضعهم بين يدي ملكهم واسمه: ما نوس بن ششورة، فلما نظر إليهم أمر بقتلهم، فقالت امرأته: أنعم على هؤلاء المساكين ودعهم فليرجعوا وليأخذوا طريقا غير الذي جاؤوا منها. فأرسلهم فأخذوا عنقودا من كرومهم فحملوه على عمود بين رجلين فعجزوا عن حمله، وحملوا رمانتين على بعض دوابهم فعجزت الدابة عن حملها، فقدموا على موسى عليه السلام، وذكروا حالهم، وأن طول كل رجل منهم سبعة أذرع ونصف، وكانوا من بقايا قوم عاذ يقال لهم: العماليق، وعن مجاهد كان لا يقل عنقود عنبهم إلا خمسة رجال أو أربعة، وفي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، فاعطوهم حبة عنب تكفي الرجل. قلت: المراد بالأرض المقدسة المذكورة دمشق وفلسطين وبعض الأردن، وقال قتادة: هي الشام كلها، وقال السهيلي: الأرض المقدسة هي بيت المقدس وما حولها، ويقال: لها إيليا، وتفسر بيت الله، وقال سفيان الثوري عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس، الأرض المقدسة هي الطور وما حوله. قوله: (فاذهب أنت وربك)، يقال: الظاهر أنهم أرادوا حقيقة الذهاب كفرا واستهانة بدليل مقابلة ذهابهم بقعودهم، وقال الزمخشري: يحتمل أن يعبر بالذهاب هنا عن القصد والإرادة، كما تقول: كلمته ذهب يجيبني أي: قصدا إجابتي. وقال الداوردي: المراد بقوله، وربك هارون عليه السلام، لأنه كان أكبر سنا من موسى عليه السلام، ورد عليه ابن التين بقوله: هذا خلاف قول أهل التفسير وما أرادوا إلا الرب، عز وجل، ولأجل هذا عوقبوا.
4609 ح دثنا أبو نعيم حدثنا إسرائيل عن مخارق عن طارق بن شهاب سمعت ابن مسعود رضي الله عنه قال شهدت من المقداد ح و حدثني حمدان بن عمر حدثنا أبو النضر حدثنا الأشجعي عن سفيان عن مخارق عن طارق عن عبد الله قال قال المقداد يوم بدر يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لموسى * (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) * ولاكن امض ونحن معك فكأنه سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأخرجه من طريقين: أحدهما: عن أبي نعيم، بضم النون الفضل بن ديكن عن إسرائيل بن يونس السبيعي عن مخارق، بضم الميم وتخفيف الخاء المعجمة وكسر الراء وبالقاف: ابن عبد الله الأحمسي الكوفي عن طارق بن شهاب الأحمسي البجلي الكوفي وعن عبد الله بن مسعود، ومر في غزوة بدر في باب قول الله تعالى: * (إذا تستغيثون ربكم) * (الأنفال: 9) فإنه أخرجه هناك بعين هذا الإسناد عن أبي نعيم إلى آخره ومر الكلام فيه (الطريق الآخر) عن حمدان بن عمر أبي جعفر البغدادي واسمه أحمد وحمدان لقبه وليس له في البخاري إلا هذا الموضع، وهو من صغار شيوخ البخاري وعاش بعد البخاري سنتين، يروي عن أبي النضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هاشم بن القاسم التميمي، ويقال: الليثي الكناني خراساني سكن بغداد توفي بها سنة سبع ومائتين، يروي عن عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي الكوفي عن سفيان الثوري إلى آخر.
قوله: (يوم بدر)، وعن قتادة فيما ذكره الطبري أنه كان في الحديبية حين صد. قوله: (فكأنه سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أي: أزيل عنه المكروهات كلها.
ورواه وكيع عن سفيان عن مخارق عن طارق أن المقداد قال ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم.
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»