دائرة دولة أشار به إلى قوله تعالى: * (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) * (المائدة: 52) ثم فسرها بقوله: دولة، وهكذا فسره السدي: رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عثمان بن حكيم عن أحمد بن مفضل حدثنا أسباط عن السدي به.
وقال غيره الإغراء التسليط أشار بلفظ الإغراء إلى قوله تعالى: * (فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) * (المائدة: 14) وفسر الإغراء بالتسليط، وفي التفسير قوله: فأغرينا. أي: ألقينا وقال الزمخشري: فأغرينا. الصقنا وألزمنا، من غرى بالشيء إذا لزمه فلصق به، وأغراه به غيره ومنه الغري الذي يلصق به. فإن قلت: ما أراد بقوله. وقال غيره؟ ومن هو هذا الغير؟ وإلى أي شيء يرجع الضمير؟ قلت: قال صاحب (التوضيح) لعله يعني: لعل البخاري يعني بالغير من فسر ما قبله، وقد نقلناه عن قتادة. انتهى قلت: قتادة لم يذكر صريحا فيما قبله حتى يرجع الضمير إليه. ولا ذكر فيما قبله ما يصلح أن يرجع إليه الضمير، والظاهر أن هنا شيئا سقط من النساخ، والصواب: أن هذا ليس من البخاري، ولهذا لم يذكر في رواية النسفي ولا في بعض النسخ، ويحتمل أن يكون قوله عقيب هذا، وقال ابن عباس: مخمصة مجاعة، مذكورا قبل قوله، وقال غيره: أي: قال غير ابن عباس: الإغراء التسليط، ووقع من الناسخ أنه أخر هذا وقدم ذاك، ويقوي هذا الاحتمال ما وقع في رواية الإسماعيلي عن الفربري بالإجازة. وقال ابن عباس: مخمصة مجاعة. وقال غيره الإغراء التسليط، وهذا هو الصواب لا مرية فيه.
أجورهن مهورهن أشار به إلى قوله تعالى: * (إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين) * (المائدة: 5) وفسر الأجور بالمهور، وهكذا روي عن ابن عباس، رواه ابن المنذر عن غيلان: حدثنا أبو صالح حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عنه رضي الله تعالى عنهما.
المهيمن الأمين القرآن أمين على كل كتاب قبله أشار به إلى قوله تعالى: * (ومهيمنا عليه) * (المائدة: 484) وفسره بقوله الأمين. وقال في (فضائل القرآن) قال قال ابن عباس المهيمن الأمين. وقال عبد بن حميد حدثنا سليمان بن داود عن شعبة عن أبي إسحاق سمعت التيمي سمعت ابن عباس، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله عز وجل: * (ومهيمنا عليه) * قال المهيمن الأمين، القرآن أمين على كل كتاب قبله، وقال الخطابي: أصله مؤيمن، فقلبت الهمزة هاء لأن الهاء أخف من الهمزة وهو على وزن مسيطر ومبيطر، قال ابن قتيبة وآخرون، مهيمن مفيعل يعني بالتصغير من أمين، قلبت همزته هاء وقد أنكر ذلك ثعلب فبالغ حتى نسب قائله إلى الكفر لأن المهيمن من الأسماء الحسنى وأسماء الله تعالى لا تصغر، والحق أنه أصل بنفسه ليس مبدلا من شيء وأصل الهيمنة الحفظ والارتقاب، يقال: هيمن فلان على فلان إذا صار رقيبا عليه فهو مهيمن، وقال أبو عبيدة لم يجيء في كلام العرب على هذا البناء إلا أربعة ألفاظ: مبيطر ومسيطر ومهيمن ومبيقر، وقال الأزهري: المهيمن من صفات الله تعالى، وقال بعض المفسرين: المهيمن الشهيد والشاهد، وقيل: الرقيب، وقيل: الحفيظ.
قال سفيان ما في القرآن آية أشد علي من * (لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم) * (المائدة: 68) [/ ح.
إنما كان أشد عليه لما فيه من تكلف العلم بأحكام التوراة والإنجيل والعمل بها، وأول الآية: * (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء) * الآية. قال المفسرون: يقول الله تعالى: قل يا محمد! يا أهل الكتاب لستم على شيء أي من الدين، حتى تقيموا التوراة والإنجيل. أي: حتى تؤمنوا بجميع ما في أيديكم من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء وتعملوا بما فيها من الأمر من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان بمبعثه والاقتداء بشريعته، وسبب نزول هذه الآية ما رواه ابن أبي حاتم من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: جاء مالك بن الضيف وجماعة من الأحبار فقالوا يا محمد: ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم وتؤمن بما في التوراة وتشهد أنها حق؟ قال: بلى. ولكنكم كتمتم منها ما أمرتم ببيانه فأنا أبرأ مما أحدثتموه. وقالوا: إنا نتمسك بما في أيدينا من الهدى والحق ولا نؤمن بك ولا بما جئت به، فأنزل الله هذه الآية.
* (من أحياها يعني من حرم قتلها إلا بحق حيي الناس منه جميعا) * أشار به إلى قوله تعالى: * (ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا) * (المائدة: 32) وفسره بقوله: يعني من حرم إلى آخره، ووصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال مجاهد: من لم يقتل أحدا فقد حيى الناس منه، وعنه في رواية: ومن أحياها. أي: أنجاها من غرق أو حرق أو هلكة.
شرعة ومنهاجا سبيلا وسنة أشار به إلى قوله تعالى: * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * (المائدة: 48) وفسر شرعة. بقوله: سبيلا ومنهاجا. بقوله: سنة قال الكرماني: ما يفهم منه أن قوله: سبيلا تفسير قوله: منهاجا. وقوله: وسنة تفسير قوله: شرعة، حيث قال: وفيه لف ونشر غير مرتب. قلت: روى ابن أبي حاتم بما فيه لف ونشر مرتب مثل ظاهر تفسير البخاري حيث قال: سبيلا وسنة فقوله سبيلا تفسير شرعة. وقوله: منهاجا تفسير قوله: وسنة، وذلك حيث قال ابن أبي حاتم، حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن يوسف بن أبي إسحاق عن التيمي عن ابن عباس، الكل جعلنا منكم شرعة قال سبيلا وحدثنا أبو سعيد حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن التيمي عن ابن عباس ومنهاجا سنة وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والحسن البصري وقتادة والضحاك والسدي وأبي إسحاق السبيعي أنهم قالوا في قوله شرعة ومنهاجا أي: سبيلا وسنة، وهذا كما هو لفظ البخاري، وفيه لف ونشر مرتب، وقال ابن كثير: وعن ابن عباس أيضا وعطاء الخراساني، شرعة ومنهاجا أي: سنة وسبيلا، ثم قال: والأول أنسب، فإن الشرعة وهي الشريعة أيضا هي مما يبدأ فيه إلى الشيء، ومنه يقال: شرع في كذا أي: ابتدأ وكذا الشريعة وهي ما يشرع منها إلى الماء، وأما المنهاج فهو الطريق الواضح السهل، وتفسير قوله: شرعة ومنهاجا بالسبيل والسنة أظهر في المناسبة من العكس.
فإن عثر ظهر أشار به إلى قوله تعالى: * (فإن عثر على أنهما استحقا إثما) * وفسر عثر بقوله: ظهر، قال المفسرون: أي فإن اشتهر وظهر وتحقق من شاهدي الوصية أنهما خانا أو غلا شيئا من المال الموصى به بنسبته إليهما وظهر عليهما بذلك فآخران يقومان مقامهما، وتوضيح هذا يظهر من تفسير الآية التي هذه اللفظة فيها وما قبلها، وهي قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) * إلى قوله: * (والله لا يهدي القوم الفاسقين) * (المائدة: 107).
الأوليان واحدها أولى أشار به إلى قوله تعالى: * (من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله) * (المائدة: 106) الآية وأشار إلى أن ما ذكر من قوله: الأوليان تثنية أولى، والأوليان مرفوع، بقوله استحق من الذين استحق عليهم انتداب الأوليين منهم للشهادة، وقرئ الأولين على أنه وصف للذين، وقرئ الأولين على التثنية وانتصابه على المدح، وقرأ الحسن الأولان، وأكثر هذه الألفاظ المذكورة هاهنا لم تقع في كثير، من النسخ، وفي النسخ التي وقعت فيها بالتقديم والتأخير، والله أعلم.
2 ((باب قوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * (المائدة: 3))