عمدة القاري - العيني - ج ١٨ - الصفحة ١٩٣
هذا تعليق وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. قال: الدرك الأسفل النار، وقال ابن عباس: يجعلون في توابيت من حديد تغلق عليهم، وروي من نار تطبق عليهم، وعن إسرائيل: الدرك الأسفل بيوت لها أبواب تطبق عليها فتوقد من تحتهم ومن فوقهم.
نفقا سربا أشار به إلى ما في قوله عز وجل: * (إن استطعت أن تبتغي نفقا) * (الأنعام: 35) وهذا في سورة الأنعام ولا مناسبة لذكره هنا، وقال الكرماني: غرضه بيان اشتقاق المنافقين، وفيه نظر لا يخفى. قوله: (سربا) أي: في الأرض، وهو صفة نفقا، ونفقا منصوب بقوله: أن تبتغي، وفي (المغرب) السرب بالفتح الطريق، ويقال: السرب البيت في الأرض، ويقال للماء الذي يسيل من القربة: سرب، والسرب المسلك ولا يقال: نفق إلا إذا كان له منفذ.
4602 ح دثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال حدثني إبراهيم عن الأسود قال كنا في حلقة عبد الله فجاء حذيفة حتى قام علينا فسلم ثم قال لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم قال الأسود سبحان الله إن الله يقول: * (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) * (النساء: 145) فتبسم عبد الله وجلس حذيفة في ناحية المسجد فقام عبد الله فتفرق أصحابه فرماني بالحصا فجئته فقال حذيفة عجبت من ضحكه وقد عرف ما قلت لقد أنزل النفاق على قوم كانوا خيرا منكم ثم تابوا فتاب الله عليهم.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث النخعي الكوفي قاضيها عن سليمان الأعمش عن إبراهيم النخعي عن خاله الأسود بن يزيد النخعي، وعبد الله هو ابن مسعود، وحذيفة هو ابن اليمان.
والحديث أخرجه النسائي أيضا في التفسير عن عمرو بن علي وغيره.
قوله: (لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم)، أي: ابتلوا به، وأما الخيرية فلأنهم كانوا طبقة الصحابة فهم خير منطبقة التابعين، لكن الله ابتلاهم فارتدوا ونافقوا فذهبت الخيرية عنهم، ومنهم من تاب فعادت إليه الخيرية. وقال ابن الجوزي: مقصود حذيفة أن جماعة من المنافقين صلحوا واستقاموا فكانوا خيرا من أولئك التابعين لمكان الصحبة والصلاح كمجمع ويزيد بن حارثة بن عامر كانا منافقين فصلحت حالهما واستقامت، وكأنه أشار بالحديث إلى تقلب القلوب، وقال ابن التين: كان حذيفة حذرهم أن ينزع منهم الإيمان لأن الأعمال بالخواتيم. قوله: (قال الأسود)، هو الراوي (سبحان الله تعجبا) من كلام حذيفة. قوله: (فتبسم عبد الله)، أي: ابن مسعود رضي الله تعالى عنه. إنما كان تبسمه تعجبا بحذيفة وبما قام به من قول الحق وما حذر منه. قوله: (فرماني)، أي: قال الأسود رماني حذيفة بن اليمان يستدعيه إليه. قوله: (قال فجئته)، أي: فجئت إلى حذيفة. فقال: (عجبت من ضحكه) أي: من ضحك عبد الله بن مسعود، يعني من اقتصاره على الضحك، والحال أنه قد عرف ما قلته من الحق. قوله: (لقد أنزل النفاق)، أي: لقد أنزل الله النفاق على قوم: هذا يدل على أن النفاق والكفر والإيمان والإخلاص بخلق الله تعالى وتقديره وإرادته ولا يخرج شيء من إرادته، والمنافق من أبطن الكفر وأظهر الإسلام، ويقال: النفاق إظهار خلاف ما بطن، مأخوذ من النافقاء وهو الموضع الذي يدخل منه اليربوع، فإذا طلبه الصياد منه خرج من القاصعاء، فيشبه المنافق به لخروجه من الإيمان، وسمي الفاسق منافقا تغليظا، كما يسمى كافرا في قوله: من ترك الصلاة فقد كفر، قوله: (ثم تابوا فتاب الله عليهم) أي: ثم رجعوا عن النفاق فتابوا فتاب الله عليهم.
(ويستفاد منه) قبول توبة الزنديق وصحتها على ما عليه الجمهور، ومن هذا قال أبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه إذا أتيت بزنديق فاستتبه. فإن تاب قبلت توبته، وكذلك قوله تعالى: * (إلا الذين تابوا أصلحوا واعتصموا بالله وأخلصو دينهم لله فأولئك مع المؤمنين) * (النساء: 146) الآية تدل على صحة توبة الزنديق وقبولها. وقال الثعلبي: قوله: * (فأولئك مع المؤمنين) * ولم يقل: فأولئك هم المؤمنون، حاد عن كلامهم تغليظا عليهم.
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»