عباس وما لكم ولهاذه إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فأروه قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ثم قرأ ابن عباس * (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) * (آل عمران: 187) كذلك حتى قوله: * (يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) * (آل عمران: 188).
أشار بهذا إلى وجه آخر في سبب نزول الآية المذكورة أخرجه عن إبراهيم بن موسى أبي إسحاق الفراء الرازي عن هشام بن يوسف الصنعاني عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن علقمة بن وقاص الليثي من كبار التابعين، وقيل: له صحبة.
والحديث أخرجه مسلم أيضا من حديث حجاج عن ابن جريج به.
قوله: (أن مروان) هو ابن الحكم بن أبي العاص، ولي الخلافة وكان يومئذ أمير المدينة من جهة معاوية. قوله: (يا رافع) هو بواب مروان بن الحكم وهو مجهول فلذلك توقف جماعة عن القول بصحة الحديث حتى إن الإسماعيلي قال: يرحم الله البخاري أخرج هذا الحديث في (الصحيح) مع الاختلاف على ابن جريج ومرجع الحديث إلى بواب مروان عن ابن عباس ومروان وبوابه بمنزلة واحدة ولم يذكر حديث عروة عن مروان وحرب عن يسرة في مس الذكر وذكر هذا ولا فرق بينهما إلا أن البواب مسمى ثم لا يعرف إلا هكذا والحرسي غير مسمى والله يغفر لنا وله. قلت: إنكار الإسماعيلي على البخاري في هذا من وجوه: الأول: الاختلاف على ابن جريج فإنه أخرجه من حديث حجاج عن ابن أبي مليكة عن حميد، وأخرجه أيضا من حديث هشام عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن علقمة الحديث بعينه. وقد اختلفا (والثاني): أن بواب مروان الذي اسمه رافع مجهول الحال ولم يذكر إلا في هذا الحديث (فإن قلت): إن مروان لو لم يعتمد عليه لم يقنع برسالته. قلت: قد سمعت أن الإسماعيلي قال: مروان وبوابه بمنزلة واحدة، وقد انفرد بروايته البخاري دون مسلم. (والثالث): أن البخاري لم يورد في (صحيحه) حديث يسرة بنت صفوان الصحابية في مس الذكر ولا فرق بينه وبين حديث الباب لما ذكرنا. وقد ساعد بعضهم البخاري فيه بقوله: ويحتمل أن يكون علقمة بن وقاص كان حاضرا عند ابن عباس لما أجاب. (قلت): لو كان حاضرا عند ابن عباس عند جوابه لكان أخبر ابن أبي مليكة أنه سمع ابن عباس أنه أجاب لرافع بواب مروان بالذي سمعه، ومقام علقمة أجل من أن يخبر عن رجل مجهول الحال بخبر قد سمعه عن ابن عباس وترك ابن عباس وأخبره عن غيره بذلك. قوله: (فقل) أمر لرافع المذكور. قوله: (بما أوتي) يروي: (فقل لئن كان كل امرئ منا فرح بدنيا وأحب أن يحمد) بضم الباء على صيغة المجهول. قوله: (معذبا) منصوب لأنه خبر: كان. قوله: (لنعذبن) جواب قوله: (لئن) وهو على صيغة المجهول. قوله: (أجمعون) وفي رواية حجاج بن محمد (أجمعين) على الأصل. قوله: (وما لكم ولهذه) إنكار من ابن عباس على السؤال بهذه المسألة على الوجه المذكور وأن أصل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا يهود إلى آخره وفي رواية حجاج بن محمد انما نزلت هذه الآية في أهل الكتاب. قوله: (فسألهم عن شيء)، قال الكرماني: قيل: هذا الشيء هو نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (فكتموه إياه)، أي: كنتم يهود الشيء الذي سألهم صلى الله عليه وسلم عنه وأخبروه بغير ذلك. قوله: (فأروه) أي: فأرو النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم قد استحمدوا إليه، واستحمدوا على صيغة المجهول من استحمد فلان عند فلان أي: صار محمودا عنده، والسين فيه للصيرورة. قوله: (بما أوتوا)، كذا هو في رواية الحموي: بضم الهمزة بعدها واو أي: أعطوا من العلم الذي كتموه، وفي رواية الأكثرين (بما أوتوا) بدون الواو بعد الهمزة أي: بما جاؤوا قوله: (أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) يعني: اذكر وقت أخذ الله ميثاق الكتاب. قوله: (كذلك) إشارة إلى أن الذين أخبر الله عنهم في الآية المسؤول عنها وهم المذكورون في قوله تعالى: * (ولا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) * كما في الآية التي قبلها أي: قبل هذه الآية وهي قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) الآية.
تابعه عبد الرزاق عن ابن جريج