عمدة القاري - العيني - ج ١٧ - الصفحة ٧٣
ثوبه، وقال: بنت نبي ضيعه قومه، وعن عطاء عن ابن عباس: لما ظهر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمكة وفدت عليه ابنة خالد بن سنان وهي عجوز كبيرة فرحب بها، وقال: مرحبا بابنة أخي، كان أبوها نبيا، وإنما ضيعه قومه، ومنهم: شعيب بن ذي مهزم، غير شعيب بن ضيفون، ذكر السهيلي أنه نبي من العرب في زمن معد بن عدنان، وقال ابن كثير: والظاهر أن هؤلاء كانوا قوما صالحين يدعون إلى الخير، فقد ثبت في الصحيح عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، عليهما السلام، لأنه ليس بيني وبينه نبي). قيل: يحتمل أن يكون مراده: نبي مرسل، ولا يمتنع أن يكون نبي غير مرسل يدعو الناس إلى شريعة الرسول الأخير، كما ذكرناه، والحمد لله على التمام، وعلى النبي الصلاة والسلام.
بسم الله الرحمن الرحيم 64 ((كتاب المغازي)) أي: هذا كتاب في بيان مغازي النبي صلى الله عليه وسلم، والمغازي جمع مغزى، والمغزى يصلح أن يكون مصدرا تقول: غزا يغزو غزوا ومغزى ومغزاة، ويصلح أن يكون موضع الغزو، وكونه مصدرا متعين هنا، والغزوة من الغزو ويجمع على غزوات... وقال ابن سيده: في (الحكم) غزا الشيء غزوا إذا أراده وطلبه، والغزو السير إلى القتال مع العدو، وقال ابن جني: الغزاوة كالشقاوة وأكثر ما يأتي الفعالة مصدرا إذا كانت لغير المتعدي، وعن ثعلب: إذا قيل: غزاه فهو عمل سنة، وإذا قيل: غزوة فهي المرة الواحدة من الغزو، وقال الجوهري: غزوت العدو غزوا، والاسم الغزاة، ورجل غاز والجمع غزاة، مثل: قاض وقضاة، وغزى وغزى وغزاء، وأما عدد مغازيه صلى الله عليه وسلم، فيأتي عن قريب أنها تسع عشرة، وعن بريدة: ست عشرة، وعنه: تسع عشرة، وقاتل في ثمان غزوات، أولهن: بدر، وأحد، والأحزاب، والمريسيع، وقديد، وخيبر، ومكة، وحنين، وأما سراياه وبعوثه فقال ابن إسحاق: ثمانية وثلاثون، وقال ابن سعد: سبعة وأربعون، وأول البعوث بعث حمزة بن عبد المطلب أو عبيدة بن الحارث على اختلاف، وآخر البعث أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين.
1 ((باب غزوة العشيرة أو العسيرة)) أي: هذا باب في بيان غزوة العشيرة، بضم العين المهملة وفتح الشين وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء. قوله: أو العسيرة، بالشك، وضبطها مثل ضبط العشيرة إلا أنها بالسين المهملة. وقال النووي: جاء في كتاب المغازي من (صحيح البخاري): العسيرة، أي: بضم المهملة الأولى وفتح الثانية، و: العسير، بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية بحذف الهاء والمعروف فيها العشيرة بإعجام الشين وبالهاء وقال السهيلي معنى العسيرة والعسيرا إنه اسم مصغر من العسرى، والعسر فإذا صغر تصغير الترخيم قيل: عسيرة، وهي بقلة أذية أي: عصيفة، ثم تكون سحاء، ثم يقال لها: العسرى، وأما العشيرة فتصغير واحدة العشر، وقال ابن الأثير: يقال: العشير ذوات العشيرة، والعشير هو موضع من بطن ينبع، وقال ياقوت: قال الأزهري: ذو العشيرة موضع بالصمان ينسب إلى عشرة نابتة فيه، وذو العشيرة موضع من ناحية ينبع غزاها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعشيرة أيضا قرية عند أكمة أراها من نواحي اليمامة، وهي لتيم عدي.
قال ابن إسحاق: أول ما غزا النبي صلى الله عليه وسلم الأبواء ثم بواط ثم العشيرة أي: قال محمد بن إسحاق بن يسار ضد اليمين المدني التابعي رأى أنس بن مالك صاحب (كتاب المغازي) المدني، قدم بغداد وحدث بها ومات سنة خمسين ومائة ودفن في مقبرة الخيزران، وهي اليوم مشهورة بمشهد الإمام أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، وترجمته طويلة استشهد به البخاري في (الصحيح) وروى له في (كتاب القراءة خلف الإمام) وغيره، وروى له مسلم في المتابعات، واحتجت به الأربعة. قوله: (أول ما غزا النبي صلى الله عليه وسلم، الأبواء) قال الواقدي، رحمه الله تعالى: هي أول غزوة غزاها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بنفسه ويقال لها: غزوة ودان، وقال ابن إسحاق: خرج النبي صلى الله عليه وسلم، غازيا في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة، وقال ابن هشام: واستعمل على المدينة سعد
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»