عمدة القاري - العيني - ج ١٧ - الصفحة ١٨٥
خطب معاوية قال من كان يريد أن يتكلم في هاذا الأمر فليطلع لنا قرنه فلنحن أحق به منه ومن أبيه قال حبيب بن مسلمة فهلا أجبته قال عبد الله فحللت حبوتي وهممت أن أقول أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم ويحمل عني غير ذلك فذكرت ما أعد الله في الجنان قال حبيب حفظت وعصيت. قال محمود عن عبد الرزاق ونوساتها.
لا وجه لذكر هذا الحديث هنا إلا أن يقال: ذكر استطرادا لما قبله، لأن كلا منهما يتعلق بابن عمر، رضي الله تعالى عنهما.
وأخرجه من طريقين:؛ الأول: عن إبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبي إسحاق الرازي عن هشام بن يوسف الصنعاني عن معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، الثاني: عن إبراهيم عن هشام عن معمر عن ابن طاووس وهو عبد الله عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر. والحديث من أفراده.
قوله: (حفصة)، هي بنت عمر بن الخطاب، وأخت عبد الله. قوله: (ونسواتها)، بفتح النون والسين المهملة، والواو، قال الخطابي: نسواتها، ليس بشيء إنما هو نوساتها يعني: بتقديم الواو على السين أي: ذوائبها (تنظف) بضم الطاء وكسرها أي: تقطر كأنها كانت قد اغتسلت، ويقال: النوسات جمع نوسة واشتقاقها من النوس وهو الاضطراب، وكان ذؤابها كانت تنوس أي: تتحرك وكل شيء تحرك فقد ناس، وقال ابن التين. قوله: (نوساتها)، بسكون الواو وضبط بفتحها، وأما: نسواتها، فكأنه على القلب. قوله: (قد كان من أمر الناس ما ترين)، أراد به ما وقع بين علي ومعاوية من القتال في صفين واجتماع الناس على الحكومة بينهم فيما اختلفوا فيه، فراسلوا بقايا الصحابة من الحرمين وغيرهما وتواعدوا على الاجتماع لينظروا في ذلك، فشاور ابن عمر أخته حفصة في التوجه إليهم أو عدمه فأشارت عليه باللحوق بهم خشية أن ينشأ من غيبته اختلاف يفضي إلى استمرار الفتنة. قوله: (فلم يجعل لي)، على صيغة المجهول، وأراد بالأمر الإمارة والملك. قوله: (فقالت) أي: قالت حفصة له: (الحق) القوم وهو بكسر الهمزة وسكون القاف أمر من: ألحق يلحق. قوله: (فإنهم) أي: فإن القوم. قوله: (فرقة)، أي: افتراق بين الجماعة ومخالفة بينهم. قوله: (فلم تدعه)، أي: فلم تدع حفصة، أي: فلم تترك حفصة عبد الله حتى ذهب إلى القوم وحضر ما وقع بينهم. قوله: (فلما تفرق الناس..)، أي: بعد أن اختلف الحكمان وهما أبو موسى الأشعري وكان حكما من جهة علي، رضي الله تعالى عنه، وعمرو بن العاص وكان حكما من جهة معاوية، وقصة التحكيم طويلة بيناها في (تاريخنا الكبير) والحاصل أن القوم اتفقوا على الحكمين المذكورين، ثم قال عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري: قم فأعلم الناس بما اتفقنا عليه، فخطب أبو موسى الناس ثم قال: أيها الناس! إنا قد نظرنا في هذه الأمة فلم نر أمرا أصلح لها ولا ألم لشعثها من رأى اتفقت أنا وعمرو عليه، وهو أنا نخلع عليا ومعاوية ونترك الأمر شورى ونستقبل للأمة هذا الأمر فيولوا عليهم من أحبوه، وإني قد خلعت عليا ومعاوية، ثم تنحى وجاء عمرو فقام مقامه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: هذا قد قال ما سمعتم، وأنه قد خلع صاحبه، وإني قد خلعته كما خلعه، وأثبت صاحبي معاوية، فإنه ولي عثمان بن عفان والمطالب بدمه وهو أحق الناس، فلما انفصل الأمر على هذا خطب معاوية إلخ. قوله: (قرنه)، بفتح القاف وسكون الراء، أي: رأسه، وهذا تعريض منه بابن عمر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، وقال ابن التين: يحتمل أن يريد به بدعته، كما جاء في الخبر الآخر: كلما نجم قرن، أي: كلما طلع. قلت: في حديث خباب هذا قرن قد طلع، أراد قوما أحداثا بغوا بعد أن لم يكونوا، يعني: القصاص، وقيل: أراد بدعة حدثت لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن التين: ويحتمل أن يكون المعنى: فليبد لنا صفحة وجهه، والقرن من شأنه أن يكون في الوجه، والمعنى: فليظهر لنا نفسه ولا يخفيها. قوله: (أحق به) أي: بأمر الخلافة. قوله: (منه) أي: من عبد الله (ومن أبيه) أي: ومن أب عبد الله وهو عمر بن الخطاب. قوله: (قال حبيب ابن مسلمة) بفتح الميم واللام: ابن مالك الأكبر ابن وهب بن ثعلبة بن واثلة بن شيبان بن محارب بن فهر بن مالك القرشي الفهري، يكنى أبا عبد الرحمن، يقال له: حبيب الروم، لكثرة دخوله إليهم ونيله منهم، وولاه عمر الجزيرة إذ عزل
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»