عمدة القاري - العيني - ج ١٧ - الصفحة ١٤١
حصول الشهادة مع قطع النظر عن غلبة الكفار، وإن كان متضمنا لها. قوله: (ولقد صدقكم الله وعده)، قال محمد بن كعب: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أحد إلى المدينة، قال قوم منهم: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر؟ فنزلت هذه الآية. قال المفسرون: وعدهم الله النصر بأحد فلما طلبوا الغنيمة هزموا. قوله: (إذ تحسونهم بإذنه)، أي: حين تقتلونهم قتلا ذريعا بإذنه، أي: بأمره وتيسيره، ويقال: سنة حسوس إذا أتت على كل شيء، وجراد محسوس إذا قتله البرد. قوله: (حتى إذا فشلتم) أي: جبنتم وضعفتم، يقال: فشل الرجل يفشل فهو فشيل، وفيه تقديم وتأخير أي: حتى إذا تنازعتم وعصيتم فشلتم، وقيل: حتى بمعنى إلى، وحينئذ لا جواب، أي: صدقكم الله وعده إلى أن فشلتم وتنازعتم، أي: اختلفتم وكان ذلك في أول الأمر لما انهزم المشركون، قال بعض الرمات الذين كانوا عند المركز: ما مقامنا هنا؟ قد انهزم القوم. وقال بعضهم: لا تجاوزوا أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم فثبت عبد الله بن جبير أمير الرماة في نفر يسير دون العشرة، وانطلق الباقون ينتهبون، فلما نظر خالد بن الوليد وعكرمة ابن أبي جهل ذلك، حملوا على الرماة فقتلوا عبد الله وأصحابه، وأقبلوا على المسلمين. قوله: (عصيتم) أي: بترك المركز. قوله: (من بعد ما أراكم ما تحبون) من النصر والظفر بهم. قوله: (منكم من يريد الدنيا) أي: الغنيمة، ومنكم من يريد الآخرة، وهم الذين ثبتوا في المركز. قوله: (ثم صرفكم عنهم) أي: ردكم عن المشركين بهزيمتكم، وردهم عليكم ليختبركم ويمنحكم. قوله: (ولقد عفا عنكم) أي: عن ذنبكم بعصيان رسول الله، صلى الله عليه وسلم والانهزام، وقال ابن جريج: ولقد عفا عنكم بأن لم يستأصلكم، وكذا قال محمد بن إسحاق، رواه ابن جرير. قوله: (والله ذو فضل على المؤمنين) قيل: إذا عفا عنهم، وقيل: إذا لم يقتلوا جميعا. قوله: (ولا تحسبن الذين قتلوا) الآية نزلت في شهداء أحد، وروى مسلم من طريق مسروق، قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن هؤلاء الآيات، قال: إنا قد سألنا عنها، فقيل لنا: إنه لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها... الحديث، وعن ابن عباس فيما رواه أحمد أنه قال: لما أصيب إخواننا بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا في الجنة نرزق، لئلا يزهدوا عن القتال؟ فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله هذه الآية. وقيل: نزلت في شهداء بدر، وقيل: في شهداء بئر معونة، وقيل غير ذلك، وروى أحمد من حديث ابن عباس أيضا قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا. وقال ابن كثير في (تفسيره): وكان الشهداء أقسام، منهم من تسرح أرواحهم في الجنة، ومنهم من يكون على هذا النهر بباب الجنة، وقد يحتمل أن ينتهي سيرهم إلى هذا النهر فيجتمعون هنالك ويغدى عليهم رزقهم هناك ويراح، والله أعلم.
4041 حدثنا إبراهيم بن موساى أخبرنا عبد الوهاب حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد هاذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب. (انظر الحديث 3995).
هذا الحديث غير واقع في محله هنا لأنه تقدم في: باب شهود الملائكة بدرا بسنده ومتنه، وفيه قال: ولهذا لم يذكره هنا أبو ذر ولا غيره من متقني رواة البخاري، ولا استخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم، ولم يقع هذا إلا في رواية أبي الوقت والأصيلي وهو وهم، وعبد الوهاب هو الثقفي، وخالد هو الحذاء.
4042 حدثنا محمد بن عبد الرحيم أخبرنا زكرياء بن عدي أخبرنا بن المبارك عن حيوة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال صلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع المنبر فقال إني بين
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»