عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ٧٧
رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فامتنعت فقال له الزهريون أخوال النبي صلى الله عليه وسلم منهم عبد الرحمان ابن الأسود بن عبد يغوث والمسور بن مخرمة إذا استأذنا فاقتحم الحجاب ففعل فأرسل إليها بعشر رقاب فأعتقتهم ثم لم تزل تعتقهم حتى بلغت أربعين فقالت وددت أني جعلت حين حلفت عملا أعمله فأفرغ منه. (انظر الحديث 3053 وطرفه).
هذا الحديث المتصل يوضح الحديث المعلق المذكور قبل الحديث السابق على هذا الحديث، وهو قوله: وقال الليث: حدثني أبو الأسود محمد عن عروة بن الزبير... إلى آخره، وقد ذكرنا هناك بقولنا: وسيتضح معنى هذا الحديث في الحديث الذي يأتي بعد حديث واحد في هذا الباب. وتوضيحه من الخارج: أن عبد الله بن الزبير بن العوام هو ابن أخت عائشة، رضي الله تعالى عنها، لأن أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنهما، وأمها أم العزى قيلة أو قتيلة بنت عبد العزى، وأم عائشة أم رومان بنت عامر، فأسماء أخت عائشة من الأب، وكانت عائشة تحب عبد الله بن الزبير غاية المحبة، وكان أحب الناس إليها بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، وكان عبد الله يبر إليها كثيرا، وكانت عائشة كريمة جدا لا تمسك شيئا. وبلغها أن عبد الله قال: والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها، فقالت: علي نذر إن كلمته، وبقية الكلام تظهر من تفسير الحديث.
قوله: (أبو الأسود) هو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن الأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي المديني يتيم عروة بن الزبير لأن أباه أوصى به إليه فقيل له: يتيم عروة لذلك. قوله: (ينبغي أن يؤخذ على يديها)، أي: تمنع من الإعطاء ويحجر عليها، وفي رواية للبخاري تأتي في الأدب: والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها. قوله: (فقالت: أيؤخذ على يدي؟)، فيه حذف تقديره: ولما بلغ عائشة ما قاله عبد الله بن الزبير من الحجر عليها، قالت: أيؤخذ على يدي؟ يعني: أيحجر عبد الله علي؟ فغضبت من ذلك، فقالت: (علي نذر إن كلمته) قوله: (فاستشفع) أي: عبد الله إليها، أي: إلى عائشة، وفيه حذف أيضا تقديره: ولما بلغ عبد الله بن الزبير غضب عائشة من كلام عبد الله وبلغه نذرها بترك الكلام له، خاف على نفسه من غضبها فاستشفع إليها لترضى عليه، فامتنعت عائشة ولم ترض بذلك. قوله: (فقال له الزهريون)، أي: فلما امتنعت عائشة عن قبول الشفاعة قال لعبد الله الجماعة الزهريون، وهم المنسوبون إلى زهرة، واسمه: المغيرة بن كلاب، وقد ذكرناه عن قريب. قوله: (أخوال النبي صلى الله عليه وسلم) لأن أمه، عليه السلام، كانت من بني زهرة، لأنها بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة. قوله: (منهم)، أي: من الزهريين (عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث) بن وهب بن عبد مناف القرشي الزهري، وأمه آمنة بنت نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة. وهو ابن خال النبي صلى الله عليه وسلم: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولا تصح له رؤية ولا صحبة، ذكره ابن حبان في (الثقات). قوله: (والمسور بن مخرمة)، بكسر الميم في الابن وبفتحها في الأب: ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، له ولأبيه صحبة. قوله: (إذا استاذنا)، يعني إذا استأذنا على عائشة في الدخول عليها فاقتحم الباب، أي: إرم نفسك فيه من غير استئذان ولا روية، يقال: اقتحم الإنسان الأمر العظيم وتقحمه إذا رمى نفسه فيه من غير تثبت ولا روية، وأراد بالحجاب الستارة التي تضرب بين عائشة وبين المستأذنين للدخول عليها. قوله: (ففعل)، أي: فعل عبد الله بن الزبير ما قاله الزهريون من اقتحام الباب. قوله: (فأرسل إليها بعشر رقاب)، فيه حذف تقديره: لما شفع الزهريون في عبد الله عند عائشة رضيت عليه، ثم أرسل عبد الله بعشر عبيد وجوار إليها لأجل أن تعتق ما أرادت منهم كفارة ليمينها، فأعتقت عائشة جميعهم، ثم لم تزل عائشة تعتق حتى بلغ عتقها أربعين رقبة للاحتياط في نذرها. قوله: (فقالت وددت...) إلى آخره، معناه: إني نذرت مبهما. وهو يحتمل أن يطلق على أكثر مما فعلت، فلو كنت نذرت نذرا معينا لكنت تيقنت بأني أديته وبرئت ذمتي، وحاصل المعنى: أنها تمنت لو كان بدل قولها: علي نذر، علي إعتاق رقبة أو صوم شهر ونحوه من الأعمال المعينة حتى تكون كفارتها معلومة معينة وتفرغ منها بالإتيان به، بخلاف لفظ: علي نذر، فإنه مبهم لم يطمئن قلبها بإعتاق رقبة أو رقبتين، وأرادت الزيادة عليه في كفارته، وذكر الكرماني هنا وجهين آخرين: أحدهما أن عائشة تمنت أن يدوم لها العمل الذي عملته للكفارة، يعني يكون دائما ممن أعتق العبد لها. والآخر: أنها قالت: يا ليتني كفرت حين حلفت ولم تقع الهجرة والمفارقة
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»