وغيرهما من سيبويه أنه حكى عن بعض العرب أنهم يقولون: اليماني، بالياء المشددة. وقال القاضي وغيره: قد صرفوا قوله: الإيمان يمان، عن ظاهره من حيث إن مبدأ الإيمان من مكة، ثم من المدينة.
وحكى أبو عبيد فيه أقوالا: أحدها: أنه أراد بذلك مكة، فإنه يقال: إن مكة من تهامة وتهامة من أرض اليمن. والثاني: المراد مكة والمدينة فإنه يروى ما في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام وهو بتبوك، ومكة ومدينة حينئذ بينه وبين اليمن، فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة، فقال: الإيمان يمان ونسبها إلى اليمن لكونها حينئذ من ناحية اليمن، كما قالوا: الركن اليماني وهو بمكة لكونه إلى ناحية اليمن. والثالث: ما ذهب إليه كثير من الناس وهو أحسنها أن المراد بذلك الأنصار لأنهم يمانيون في الأصل، فنسب الإيمان إليهم لكونهم أنصاره. واعترض عليه الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح، فقال ما ملخصه: إنه لو نظر إلى طرق الأحاديث لما ترك ظاهر الحديث. منها: قوله، عليه السلام: (أتاكم أهل اليمن) والأنصار من جملة المخاطبين بذلك، فهم إذا غيرهم. ومنها: قوله عليه السلام: (جاء أهل اليمن)، وإنما جاء حينئذ غير الأنصار، فحينئذ لا مانع من إجراء الكلام على ظاهره، وحمله على الحقيقة لأن من اتصف بشيء وقوي قيامه به نسب ذلك الشيء إليه إشعارا بتمييزه به، وكمال حاله فيه، وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ في الإيمان، وليس في ذلك نفي له عن غيرهم، فلا منافاة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليأرز إلى الحجاز). ويروى: (الإيمان في أهل الحجاز)، لأن المراد بذلك الموجود منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان، فإن اللفظ لا يقتضيه.
قوله: (والحكمة يمانية) الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله عز وجل المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل، والحكيم من له ذلك، وقال ابن دريد: كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة، وحكم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (إن من الشعر حكمة) وفي بعض الروايات: حكما.
قال أبو عبد الله سميت اليمن لأنها عن يمين الكعبة والشأم عن يسار الكعبة والمشأمة الميسرة واليد اليسرى الشؤمى والجانب الأيسر الأشأم أبو عبد الله هو البخاري نفسه، وليس هذا اللفظ بمذكور في بعض النسخ. قوله: (سميت اليمن)، لأنها عن يمين الكعبة هذا قول الجمهور. وقال الرشاطي: سمي بذلك قبل أن تعرف الكعبة لأنه عن يمين الشمس، وقيل: سمي بيمن بن قحطان، وقيل: سمي بيعرب بن قحطان، لأن يعرب اسمه يمن، فلذلك قيل: أرض يمن. قوله : (والشأم) أي: سميت الشام لأنها عن يسار الكعبة، وقيل: سمي بشامات هناك حمر وسود، وقيل: سمي بسام بن نوح، عليه الصلاة والسلام، لأنه أول من اختطه، وكان اسم سام: شام بالشين المعجمة، فعرب فقيل: سام بالسين المهملة، وقيل: شام اسم أعجمي من لغة بني حام، وتفسيره بالعربي: خير طيب. وقال البكري: الشام مهموز وقد لا يهمز، في (المطالع): قال أبو الحسين بن سراج: الشام، بهمزة ممدود وأباه أكثرهم فيه إلا في النسب، أعني: فتح الهمزة، كما اختلف في إثبات الياء مع الهمزة الممدود فأجازه سيبويه ومنعه غيره، لأن الهمزة عوض من ياء النسب، فعلى هذا يقال: شامي وشآم في الرجل، كما يقال: يماني ويمان. قوله: (والمشأمة الميسرة) الميم فيهما زائدة لأن اشتقاقهما يدل على ذلك، لأنهما من الشؤم واليسار. قال الجوهري: المشأمة الميسرة، وكذلك الشأمة والشؤم نقيض اليمن. قوله: (واليد اليسرى)، يعني: تسمى بالشؤمى، قاله أبو عبيدة، وكذلك قال للجانب الأيسر الأشأم، ومادة الكل من الشؤم وهو نقيض اليمن، كما ذكرناه.
2 ((باب مناقب قريش)) أي: هذا باب في بيان مناقب قريش والكلام فيه على أنواع.
الأول من هو الذي تسمى بقريش من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال الزبير: قالوا: قريش اسم فهر بن مالك وما لم يلد فهر فليس من قريش، قال الزبير: قال عمي: فهر هو قريش اسمه وفهر لقبه، وعن ابن شهاب اسم فهر الذي سمته أمه قريش، وإنما نبذته بهذا كما يسمى الصبي: غرارة وشملة وأشباه ذلك، وقال