عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ٢٨
قال الوليد حدثني ابن جابر عن عمير عن جنادة وزاد من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء الوليد هو ابن مسلم المذكور، وهو موصول بالإسناد المذكور وابن جابر هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي أخو يزيد بن يزيد، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة. وعمير هو ابن هانىء المذكور، وبهذه الزيادة أخرجه مسلم، ولفظه: أدخله الله تعالى من أي أبواب الجنة الثمانية شاء.
84 ((باب قول الله تعالى * (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها) * (مريم: 61).)) أي: هذا باب في بيان حال مريم، عليها الصلاة والسلام، في قوله تعالى: * (واذكر في الكتاب مريم...) * (مريم: 61). الآية، وهذه الترجمة بعينها قد تقدمت قبل هذا الباب ببابين، ومضى الكلام فيها.
نبذناه ألقيناه اعتزلت شرقيا مما يلي الشرق لفظ: نبذناه، في قصة يونس، وهو قوله تعالى: * (فنبذناه بالعراء وهو سقيم) * (الصافات: 541). وروى الطبري من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، في قوله تعالى: * (فنبذناه) * قال: ألقيناه، وليس لذكره ههنا مناسبة، لأن المذكور في قصة مريم، عليها الصلاة والسلام، لفظ: انتبذت، ومعنى: انتبذت، غير معنى: فنبذناه، على ما لا يخفى، وأشار إلى معنى: انتبذت، بقوله: (فاعتزلت شرقيا مما يلي الشرق) أي: اعتزلت وانفردت وتخلت للعبادة في مكان شرقي مما يلي شرقي بيت المقدس، أو مكان شرقي من دارها، وقد مر هذا التفسير عن قريب.
فأجاءها أفعلت من جئت يقال ألجأها اضطرها أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فإجاءها المخاض إلى جذع النخلة) * (مريم: 32). وأشار بقوله: أفعلت من جئت، إلى أن لفظ أجاء، مزيد: جاء، تقول: جئت إذا أخبرت عن نفسك، ثم إذا أردت أن تعدى به إلى غيرك تقول: أجأت زيدا، وهنا كذلك بالتعدية لأن الضمير في أجاءها يرجع إلى مريم، وفاعل: أجاء، هو قوله: المخاض، أي: الطلق، إلى جذع النخلة أي: ساقها وكانت نخلة يابسة في الصحراء ليس لها رأس ولا ثمر ولا خضرة، وقصتها مشهورة. قوله: (ويقال ألجأها: اضطرها) إشارة إلى أن بعضهم قال: إن معنى فأجاءها ألجأها، يعني: ألجأها المخاض إلى جذع النخلة، وقال الزمخشري: إن أجاء، منقول من: جاء، إلا أن استعماله تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء.
تساقط تسقط أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) * (مريم: 52). وفسر: تساقط، بقوله: تسقط، قرأ حمزة بفتح التاء وتخفيف السين، وقرأ حفص عن عاصم بضم التاء وكسر القاف، وقرأ الباقون بتشديد السين، أصله: تتساقط، أدغمت التاء في السين. قوله: (رطبا)، تمييز جنيا غضا طريا.
قصيا قاصيا أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فحملته فانتبذت به مكانا قصيا) * (مريم: 22). وفسر قصيا بقوله: قاصيا. وهكذا فسره مجاهد، وقال أبو عبيدة: قصيا أي بعيدا. قال ابن عباس: أقصى وادي بيت لحم فرارا من قومها أن يعيروا ولادتها من غير زوج، وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة: قاصيا. وقال الفراء: القاصي والقصي بمعنى. قلت: أصله من القصو وهو البعد، والأقصى الأبعد.
فريا عظيما أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا) * (مريم: 72). وفسر: فريا، بقوله: عظيما، وفي (تفسير النسفي): لقد جئت شيئا فريا بديعا، من فرى الجلد وقال أبو عبيدة: كل فائق من عجب أو عمل فهو فري وقيل: الفري، من الولد من الزنا كالشئ المفترى، وقال قطرب: الفري الجلد الجديد من الأسقية، أي: جئت بأمر عجيب أو أمر جديد لم تسبقي إليه.
قال ابن عباس نسيا لم أكن شيئا وقال غيره النسي الحقير
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 32 ... » »»