عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ٢٥
في قوله وعمله. قوله: * (ولم يمسسني بشر) * أي: لم يصبني رجل. قوله: * (إذا قضى أمرا) * أي: إذا أراد تكوينه * (فإنما يقول له كن فيكون) *، لا يتأخر من وقته بل يوجد عقيب الأمر بلا مهلة.
يبشرك ويبشرك واحد الأول: من باب نصر ينصر، وهو قراءة حمزة والكسائي، والثاني: من باب التفعيل من التبشير، والبشير هو الذي يخبر المرء بما يسره من خير ولا يستعمل في الشر إلا تهكما.
وجيها شريفا فسر وجيها الذي في قوله تعالى: * (وجيها في الدنيا والآخرة) * (آل عمران: 54). بقوله: شريفا، وقد مر تفسيره عن قريب، وانتصابه على الحال.
وقال إبراهيم المسيح الصديق أي: قال إبراهيم النخعي المسيح الصديق، وكذا فسره سفيان الثوري بإسناده إلى إبراهيم، وفيه معان أخر نذكرها الآن، فإن قلت: الدجال أيضا سمى بالمسيح؟ قلت: أما معناه في عيسى، عليه الصلاة والسلام، ففيه أقوال تبلغ ثلاثة وعشرين قولا ذكرناها في كتابنا (زين المجالس). منها: ما قيل إن أصله المسيح على وزن مفعل، فأسكنت الياء ونقلت حركتها إلى السين طلبا للخفة، وعن ابن عباس: كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ ولا ميتا إلا حيى، وعنه: لأنه كان أمسح الرجل ليس لها أخمص، والأخمص من لا يمس الأرض من باطن الرجل، وعن أبي عبيدة: أظن أن هذه الكلمة: مشيخا، بالشين المعجمة فعربت، وكذا تنطق به اليهود، وقيل: لأنه خرج من بطن أمه كأنه ممسوح بالدهن، وقيل: لأن زكريا، عليه الصلاة والسلام، مسحه. وقيل: لحسن وجهه إذ المسيح في اللغة جميل الوجه، لأنه كان يمسح الأرض لأنه قد يكون تارة في البلدان وتارة في المفاوز والفلوات، وقال الداودي: لأنه كان يلبس المسوح. وأما معناه في الدجال، فقيل: لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها. فإن قلت: قد ذكرت هذا المعنى في عيسى، عليه الصلاة والسلام؟. قلت: إنه كان في هذا الوجه اشتراك بحسب الظاهر لأن المسيح في عيسى بمعنى الممسوح عن الآثام وعن كل شيء فيه قبح، فعيل بمعنى مفعول، وفي الدجال: فعيل بمعنى فاعل، لأنه يمسح الأرض، وقيل: لأنه لا عين له ولا حاجب، وقال ابن فارس: مسيح أحد شقي وجهه ممسوح لا عين له ولا حاجب، فلذلك سمي به. وقيل: المسيح الكذاب وهو مختص به لأنه أكذب البشر، فلذلك خصه الله بالشوه والعور، وقيل: المسيح المارد الخبيث وهو أيضا مختص به بهذا المعنى، ويقال فيه: مسيخ، بالخاء المعجمة لأنه مشوه مثل الممسوخ، ويقال فيه: مسيح بكسر الميم وتشديد السين للفرق بينه وبين المسيح ابن مريم، عليه الصلاة والسلام.
وقال مجاهد الكهل الحليم كذا قاله مجاهد في قوله: * (وكهلا ومن الصالحين) * (آل عمران: 64). وقال أبو جعفر النحاس: هذا لا يعرف في اللغة، وإنما الكهل عندهم من ناهز الأربعين أو قاربها، وقيل: من جاوز الثلاثين، وقيل: الكهل ابن ثلاث وثلاثين.
والأكمه من يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل أشار به إلى ما في قوله تعالى حكاية عن عيسى، عليه الصلاة والسلام: * (وأبرىء الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله) * (آل عمران: 94). وقيل بعكسه، وقيل: هو الأعشى، وقيل: الأعمش.
وقال غيره من يولد أعماى أي: قال غير مجاهد: الأكمه هو الذي يولد أعمى، وهو الأشبه لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي.
3343 حدثنا آدم حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت مرة الهمداني يحدث
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»