عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ٣٢
ذكر ما يستفاد منه: فيه إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع، لأن إجابة الأم واجبة فلا تترك لأجل النافلة، وقد جاء في حديث يزيد بن حوشب عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لو كان جريج فقيها لعلم أن إجابة أمه أولى من عبادة ربه)، أخرجه الحسن بن سفيان. قلت: قال الذهبي: حوشب بن يزيد الفهري مجهول، روى عنه ابنه يزيد في ذكر جريج الراهب، وتمسك بعض الشافعية بظاهر الحديث في جواز قطع الصلاة لإجابة الأم سواء كانت فرضا أو نفلا، والأصح عندهم: أنه على التفصيل، وهو أن الصلاة إن كانت نفلا وعلم تأذي الوالد أو الوالدة وجبت الإجابة، وإن كانت فرضا وضاق الوقت لم تجب الإجابة، وإن لم يضق وجبت عند إمام الحرمين، وخالفه غيره لأنها تلزم بالشروع، وعند المالكية: إن إجابة الوالد في النافلة أفضل من التمادي فيها، وحكى القاضي أبو الوليد: أن ذلك يختص بالأم دون الأب، وبه قال مكحول، وقيل: لم يقل به من السلف غيره. وفيه: قوة يقين جريج وصحة رجائه لأنه استنطق المولود مع كون العادة أنه لا ينطق، ولولا صحة رجائه بنطقه لما استنطقه، وقال ابن بطال: يحتمل أن يكون جريج كان نبيا فتكون معجزة. وفيه: عظم بر الوالدين وإجابة دعائهما، ولو كان الولد معذورا لكن يختلف الحال في ذلك بحسب المقاصد وفيه صاحب الصدق مع الله تعالى لا تضره الفتن وفيه اثبات الكرامة للأولياء ووقوع الكرامة لهم باختيارهم وطلبهم. وفيه: جواز الأخذ بالأشد في العبادة لمن يعلم من نفسه قوة على ذلك. وفيه: أن الوضوء لا يختص بهذه الأمة، خلافا لمن زعم ذلك، وإنما الذي يختص بهذه الأمة الغرة والتحجيل في الآخرة. وفيه: أن مرتكب الفاحشة لا تبقى له حرمة. وفيه: أن الفزع في الأمور المهمة إلى الله تعالى يكون بالتوجه إليه في الصلاة، واستدل بعضهم بهذا الحديث على أن من شرع بني إسرائيل أن المرأة تصدق فيما تدعيه على الرجال من الوطء، ويلحق به الولد، وأنه لا ينفع الرجل جحد ذلك إلا بحجة تدفع قولها.
قوله: (وكانت امرأة...) إلى آخره، قضية أخرى تشبه قضية جريج (وامرأة) بالرفع فاعل: كانت، وهي تامة. قوله: (فمر بها رجل) ويروى: إذ مر بها راكب جمل، وفي رواية أحمد من خلاس عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه: فارس متكبر. قوله: (ذو شارة)، بالشين المعجمة وبالراء المخففة أي: ذو حسن وجمال، وقيل: صاحب هيئة وملبس حسن يتعجب منه ويشار إليه، وفي رواية خلاس: (ذو شارة حسنة). قوله: (قال أبو هريرة)، رضي الله تعالى عنه، هو موصول بالإسناد المذكور وفيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل. قوله: (ثم مر بأمة)، بضم الميم وتشديد الراء على بناء المجهول، وفي رواية أحمد عن وهب بن جرير: (بأمة تضرب)، وفي رواية الأعرج عن أبي هريرة الآتية في ذكر بني إسرائيل: (تجرر ويلعب بها)، وتجرر بجيم مفتوحة بعدها راء مشددة ثم راء أخرى، وفي رواية خلاس: (أنها كانت حبشية أو زنجية وأنها ماتت، فجروها حتى ألقوها). قوله: (فقالت: لم ذلك؟) أي: قالت الأم لابنها: لم قلت هكذا؟ حاصله أنها سألت منه عن سبب ذلك. قوله: (فقال)، أي: الابن: (الراكب جبار) وفي رواية أحمد، فقال: يا أمتاه! أما الراكب ذو الشارة فجبار من الجبابرة، وفي رواية الأعرج: فإنه كان جبارا، قوله: (سرقت زنيت)، يجوز فيه الوجهان أحدهما بكسر التاء لخطاب المؤنث، والآخر بسكونها على الخبر، وفي رواية أحمد: (يقولون سرقت ولم تسرق، وزنيت ولم تزن، وهي تقول: حسبي الله)، وفي رواية الأعرج: (يقولون لها: تزني؟ وتقول: حسبي الله، ويقولون لها: تسرقي؟ وتقول: حسبي الله). قوله: (ولم تفعل)، جملة حالية أي: والحال أنها لم تسرق ولم تزن.
7343 حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن معمر. حدثني محمود حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به لقيت موسى قال فنعته فإذا رجل حسبته قال مضطرب رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة قال ولقيت عيسى فنعته النبي صلى الله عليه وسلم فقال ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس يعني الحمام ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به قال وأتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر فيه خمر فقيل لي خذ أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقيل لي هديت الفطرة أو أصبت الفطرة أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك..
مطابقته للترجمة من حيث إن فيها التعرض لعيسى، عليه الصلاة والسلام، وهنا صرح بذكر عيسى، عليه الصلاة والسلام.
والحديث مضى عن قريب في: باب قول الله تعالى: * (وهل أتاك حديث موسى) * (طه: 9، النازعات: 51). فإنه إخرجه هناك عن إبراهيم بن موسى أيضا. وأخرجه ههنا من طريقين. أحدهما: عن إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف عن معمر. والآخر: عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق عن معمر عن محمد بن مسلم الزهري... إلى آخره.
قوله: (فنعته)، أي: وصفه. قوله: (حسبته) القائل حسبته هو عبد الرزاق. قوله: (مضطرب)، أي: طويل غير الشديد، وقيل: الخفيف اللحم، وقد تقدم في رواية هشام بلفظ: ضرب، وفسر بالخفيف ولا منافاة بينهما، وقال ابن التين: هذا الوصف مغاير لقوله بعد هذا: إنه جسيم، قال: والذي وقع نعته بأنه جسيم إنما هو الدجال، وقال عياض: رواية من قال: ضرب، أصح من رواية من قال: مضطرب، لما فيها من الشك، قال: وقد وقع في رواية أخرى على ما يأتي الآن: جسيم، وهو ضد الضرب إلا أن يراد بالجسيم الزيادة في الطول، وقال التيمي: لعل بعض لفظ هذا الحديث دخل في بعض لأن الجسيم ورد في صفة الدجال لا في صفة موسى، عليه الصلاة والسلام. قوله: (ربعة)، بفتح الراء وسكون الباء الموحدة، ويجوز فتحها، وهو المربوع والمراد أنه وسط لا طويل ولا قصير.
8343 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا إسرائيل أخبرنا عثمان بن المغيرة عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت عيساى وموسى وإبراهيم فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر وأما موسى فآدم جسيم سبط كأنه من رجال الزط.
مطابقته للترجمة في ذكر لفظ عيسى، عليه الصلاة والسلام، وإسرائيل هو ابن يونس ابن أبي إسحاق السبيعي، وعثمان هو ابن المغيرة الثقفي الكوفي الأعشى، ويقال له: عثمان بن أبي زرعة، وأبو زرعة هو كنية المغيرة، وهو من أفراد البخاري من صغار التابعين، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد، وهو يروي عن مجاهد عن عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما، وقال أبو مسعود الحافظ: أخطأ البخاري في قوله: مجاهد عن ابن عمر، وإنما رواه محمد بن كثير وإسحاق فإنه قال هكذا وقع في جميع الروايات المسموعة عن مجاهد عن ابن عمر قال ولا أدري إلى آخر ما قاله التيمي ثم قال أبو ذر
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 32 33 34 35 36 37 ... » »»