عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ١٩٦
المنونة، والفرق بينهما أن معنى الأول: لا تبتدئنا بحديث، ومعنى الثاني: زدنا حديثا ما، وفيه لغة أخرى، وهي: إيه، بكسر الهمزة والهاء بغير تنوين، ومعناه: زدنا مما عهدنا. وال الجوهري: إيه، يعني بكسر الهمزة والهاء بغير تنوين: اسم يسمى به الفعل، لأن معناه الأمر تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل: إيه، بكسر الهاء، وقال ابن السكيت: فإن وصلت نونت، فقلت: إيه، حديثا. وقال الجوهري أيضا: وإن أردت التبعيد قلت: إيها بفتح الهمزة بمعنى: هيهات، وقال ابن الأثير: إيه، كلمة يراد بها الاستزادة، وهي مبنية على الكسر، فإذا وصلت نونت. فقلت إيه حديثا، وإذا قلت: إيها، بالنصب فإنما يراد بها: نأمره بالسكوت. وقال الطيبي: الأمر بتوقير رسول الله صلى الله عليه وسلم، مطلوب لذاته تحمد الزيادة منه، فكأن قوله، صلى الله عليه وسلم: إيه، استزادة منه في طلب توقيره وتعظيم جانبه، فلذلك عقبه بقوله: (والذي نفسي بيده...) إلى آخره، فإنه يشعر بأنه رضي مقالته وحمد فعاله. قوله: (فجا) أي: طريقا واسعا.
وفيه: فضيلة عظيمة لعمر، رضي الله تعالى عنه، لأن هذا الكلام يقتضي أن لا سبيل للشيطان عليه إلا أن ذلك لا يقتضي وجوب العصمة، إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان من أن يشاركه في طريق يسلكها، ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته، هكذا قرره بعضهم. قلت: هذا موضع التأمل، لأن عدم سلوكه الطريق الذي يسلك فيه عمر، رضي الله تعالى عنه، إنما كان لأجل خوفه لا لأجل معنى آخر، والدليل عليه ما رواه الطبراني في (الأوسط) من حديث حفصة بلفظ: إن الشيطان لا يلقى عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه. انتهى. فالذي يكون حاله مع عمر هكذا، كيف لا يمنع من الوصول إليه لأجل الوسوسة؟ وتمكن الشيطان من وسوسة بني آدم ما هو إلا بأنه يجري في عروق بني آدم مثل ما يجري الدم، فالذي يهرب منه ويخر على وجهه إذا رآه كيف يجد طريقا إليه؟ وما ذاك إلا خاصة له وضعها الله فيه، فضلا منه، وكرما، وبهذا لا ندعي العصمة، لأنها من خواص الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام.
4863 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن إسماعيل حدثنا قيس قال قال عبد الله ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر رضي الله تعالى عنه. (الحديث 4863 طرفه في: 3683).
مطابقته للترجمة ظاهرة، ويحيى هو ابن سعيد القطان، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وعبد الله هو ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه. وأخرجه البخاري أيضا في إسلام عمر، رضي الله تعالى عنه، عن محمد بن كثير عن سفيان.
قوله: (ما زلنا أعزة...) إلى آخره لما فيه من الجلد والقوة في أمر الله تعالى، وروى ابن أبي شيبة والطبراني من طريق القاسم بن عبد الرحمن، قال: قال عبد الله بن مسعود: كان إسلام عمر عزا، وهجرته نصرا، وإمارته رحمة، والله ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر، رضي الله تعالى عنه.
5863 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله حدثنا عمر بن سعيد عن ابن أبي مليكة أنه سمع ابن عباس يقول وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم فلم يرعني إلا رجل آخذ منكبي فإذا علي فترحم على عمر وقال ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وحسبت أني كنت كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر. (انظر الحديث 7763).
مطابقته للترجمة في قوله: (ذهبت أنا وأبو بكر وعمر...) إلى آخره. وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة، وعبد الله هو ابن المبارك، وعمر بن سعيد بن أبي حسين النوفلي القرشي المكي، وابن أبي مليكة، بضم الميم: عبد الله بن أبي مليكة، وقد مر هؤلاء غير مرة.
والحديث مر عن قريب في مناقب أبي بكر، فإنه أخرجه هناك: عن الوليد بن صالح عن عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»